توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرسائل السياسية لرحلة البابا الرعوية

  مصر اليوم -

الرسائل السياسية لرحلة البابا الرعوية

عريب الرنتاوي

أن يأتي قداسة البابا فرانسيس الأول فلسطين من أبوابها، وبوصفها كياناً قائماً بذاته، لا “ملحقاً” تابعاً لدولة الاحتلال والاستيطان، فتلكم هي أولى الرسائل، المشبعة بالمعاني والدلالات، التي حرص قداسته على توجيهها في مستهل رحلته إلى الأراضي المقدسة ... درجت العادة، أن يخصص زوار فلسطين الكبار، هامشاً من وقتهم وجدول أعمالهم، لزيارة رام الله أو بيت لحم، بعد أن تكون مراسم زياراتهم لإسرائيل قد استكملت... المؤكد أن ترتيباً كهذا، ينقل البابا من عمان إلى بيت لحم، مباشرة ومن دون “الخاتم” الإسرائيلي، وعلى متن مروحية أردنية، لم يرق للإسرائيليين، والأرجح أنهم “ابتلعوه” على مضض.
وأن يخرج قداسته عن “جدول أعمال” زيارته الفلسطينية وبروتوكولاتها، ويقرر التوقف عند جدار الفصل العنصري، لأداء الصلوات من أجل العدالة والسلام، فتلكم رسالة ثانية، حافلة بالمعاني والدلالات، وقد فهمت إسرائيل، كما فهمنا جميعاً، أن رأس الكنيسية الكاثوليكية في العالم، ليس راض عن جدار الفصل العنصري، وهو الداعية الأبرز لبناء الجسور وتجسير الفجوات، وأنه يتضامن مع الفلسطينيين في محنتهم مع الاحتلال والعنصرية والاستيطان الزاحف كالثعبان الممتد بامتداد الضفة الفلسطينية المحتلة، ويصلي من أجل خلاصهم.
البابا، ومن خلفه حاضرة الفاتيكان، تقف إلى جانب حل عادل لقضية شعب فلسطين، وترى الدولة المستقلة والقابلة للحياة، هي الجواب الوحيد الممكن لإخراج الفلسطينيين من قلب الألم والمعاناة، إلى رحاب الحرية والاستقلال ... وهو عبّر عن ذلك في كل مناسبة، وإن بمنسوب منخفض من السياسة لصالح المنسوب الديني، الذي هو جوهر رسالة الفاتيكان والبابا ... ولهذا جرت العادة، أن يأنس الفلسطينيون إلى خطاب البابا ومواقف الفاتيكان وهذا ما يفسر الحفاوة التي استقبل وودع بها، وهذا ما يبرر الاستجابة الفلسطينية الرسمية الفورية، لدعوة قداسته كلاً من شمعون بيريز ومحمود عباس للصلاة في الفاتيكان من أجل السلام.
رسائل أخرى، لا تقل أهمية، تم توجيهها من خلال بعض المظاهر الاحتفالية والاحتفائية بقداسته في بيت لحم ... منها أن الجدارية التي جرت تحت ظلالها الاحتفالات والقداديس، قد زُيّنت بصورة للمسيح في مهده، وهو متدثر بـ “الكوفية” الفلسطينية ... وان نشيد “موطني” قد تماهى في كلماته وألحانه، مع “التراتيل” و”الترانيم” التي صاحبت القداس .... لتتوج هذه “الرسائل” بارتداء البابا نفسه، “الكوفية” الفلسطينية، وهو يهم بدخول إحدى أقدس ثلاث كنائس في العالم.
رسائل البابا الفلسطينية، مهمة لشعب فلسطين عموماً، ومسيحييه بشكل خاص، وفي هذا التوقيت على نحو محدد ... فالفلسطينيون يرون رؤية العين، كيف تسطو دولة الاحتلال والعنصرية والاستيطان، على أرضهم وحقوقهم ... وهم بحاجة لمن يمد لهم يد العون والإسناد، وهل ثمة ما هو أكثر أهمية، من أن يقوم رأس الكنيسة التي تضم أكثر من مليار انسان من أتباعها ومؤمنيها، بإبداء التفهم والدعم والإسناد لحقوق شعب فلسطين وكفاحه العادل والمشروع من أجل العدالة والحرية والكرامة والاستقلال؟
ومسيحيو فلسطين بخاصة، كانوا بحاجة ماسة لزيارة من هذا النوع وعلى هذا المستوى الأرفع، لتشد من أزرهم، في مواجهة احتلال يسعى في إدماجهم في آلته الحربية القاتلة، ويسطو على أملاك كنيستهم بالمصادرة و”التدليس” و”السمسرة” ... ويجعل حياتهم، وحياة إخوانهم من المسلمين، جحيماً لا يطاق.
أبعد من ذلك، فإن المسيحيين العرب، بل وجميع مسيحي المشرق، كانوا بأمس الحاجة لمثل هذه الزيارة، خصوصاً بعد ما شهده العراق في السنوات العشر الفائتة من عمليات نزوح ونزف لمسيحييه، وما يكابده مسيحيو سوريا من عنت ومشقة على أيدي الجماعات الأصولية المتشددة من فارضي الجزية ومقطعي الرؤوس .... دع عنك ما كابده مسيحيو مصر، من مشقات جراء النمو المتزايد للجماعات المتشددة، تجلى في استهداف الكنائس والاعتداء على الممتلكات ودعوات التحقير والتهجير.
زيارة البابا فرانسيس، وإن كانت روحية ورعوية في الأصل، إلا أنها حملت من الرسائل، ما جعلها “سياسية” بامتياز ... وأحسب أن حصادها صب في طاحونة الأردن وفلسطين ومسيحيي المنطقة بمجملها ... والمؤكد أن مقالات هناك، وفتاوى كريهة هناك، و”خطب جمعة” موتورة تصدر عن جهل وتعصب، لا يمكن أن تغطي على النتائج الإيجابية لزيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى.
"الدستور"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرسائل السياسية لرحلة البابا الرعوية الرسائل السياسية لرحلة البابا الرعوية



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon