عريب الرنتاوي
بين العراق وسوريا، وفوق خطوط سايكس – بيكو، تنشأ دولة “داعش” الإسلامية ... من ينظر للخريطة، يصاب بالذهول، دولة داعش لا تقل مساحة عن كل من الدولتين الكبريين في المشرق العربي، ربما تكون أقل سكاناً، لكنها تتوفر على موارد مذهلة ... “داعش” وضعت يدها على مخزون مذهل من أسلحة الجيش العراقي، القديم والجديد، بما في ذلك من دبابات وطائرات وصواريخ وأسلحة من كل الأحجام، أكثر من نصف مليار دولار (كاش) في بنوك الموصل، دع عنك منابع النفط التي ستضيف لإنتاج داعش من نفط سوريا، إنتاجاً جديداً من نفط العراق.
أين من هنا؟ ... وما الذي سيحدثه تسونامي داعش في العراق؟ ... وقبل هذا وذلك، كيف حصل ما حصل، وهل سقطت الموصل “سهواّ” أم أن في الأمر “لعبة أمم” و”نظرية مؤامرة” لم تتضح كامل فصولها بعد؟ ... مصير المالكي والأسد بعد هذه الاندفاعة الجنونية لـ “داعش” والتي لم يستفق العراقيون بعد، من هول صدمتها وشدة مفاجأتها.
ثمة كثير مما نعرف ومما لا نعرف، يحيط بـ “فتوحات داعش”، لكن المؤكد أن التنظيم الجهادي، ليس كلي القدرة، ولا يمتلك القدرة على تخليق المعجزات ... ثمة أدوار لُعبت في صنع هذه “الفتوحات”، بعضها من داخل النظام وقواته وأجهزته، وربما بهدف تكريس الانفصال وتعميق القطع والقطيعة بين المكونين السني والشيعي، في ولايات وأقاليم وإمارات، مفروضة بقوة النار لا الدستور، ومنذ الآن وصاعداً، ستتحول “داعش” من مجرد تنظيم، وأرتال متنقلة في الصحاري بين المدن العراقية، إلى جيش ودولة، يفرض النظام ويجبي الضرائب ويرابط على المعابر والحدود ونقاط التماس، بعد أن يستكمل استلهما ما يعتقد أنه “حصته” من عراق ما بعد صدام و ما بعد الاحتلال.
لكن ذلك لا يكفي لتفسير هذا “الاختراق” أو التسبب في حدوث هذا الزلزال، لا شك أن ثمة قوى ودولا عربية وإقليمية، كانت تعرف، وكانت تعطي الضوء الأخضر، فربما بهذه الطريقة يتم كسر “الهلال الشيعي”، بخلق دولة سنيّة متطرفة ومقاتلة، تباعد ما بين العراق وسوريا، وتقطع طريق إيران إلى الشام ولبنان ... وثمة أطراف، تركض لاهثة خلف الغاز والنفط، ودولة داعش، غنية بهما كليهما، وفوق هذا وذاك، تتوفر على طرق إمداده وتصديره ... وثمة دول لها أطماع تاريخية في كركوك والموصل، لا شك أنها غذت وتغذي “الفوضى الخلاقة”، على أمل أن تعاود انتاج سيرتها الإمبراطورية من جديد ... وثمة مناطق متنازع عليها بين العرب والكرد في هذه المناطق أو على تخومها، فهل سنقترب من لحظة “تسوية الحساب” بدل إجراء الاستفتاء، أم أن ثمة خطوطا حمراء، إقليمية، لا يستطيع أكراد العراق تجاوزها دون المقامرة بعلاقاتهم النامية مع تركيا، بل وتعريض مكتسباتهم في الإقليم لأشد الأخطار.
لا أجوبة لدينا حتى الآن، نحن نمتلك الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة، فما حصل دهمنا على حين غرة، وكاد أن يأخذنا أخذ عزيز مقتدر ...
ثم، كيف سيوظف المالكي إعلان التأهب، وربما إعلان الطوارئ، في سعيه لإحكام سلطته على الدولة والمؤسسات، والدخول إلى ولاية ثالثة ... هل سيوظف دعوات طهران ومرجعية السيستاني للتوحد خلف راياته، وتوحيد الفريق الشيعي على أقل تقدير، خلف الولاية الثالثة؟ ... هل سنرى ذلك يحصل قريباً، أم أن الأحداث أظهرت فشل المالكي وبؤس المؤسسات التي أنشأها وقادها وفسادها وتعرضها للاختراق البالغ حد “النخر” عميقاً في صميم بنيانها وولائها وانتمائها؟
هل يستفيد الأسد من “ثورة داعش العراقية” في تخويف خصومه ومعارضيه، وتقليص حدة اعتراضهم على نظامه وتعزيز فرص بقائه في السلطة ... هل يمكن أن نرى انتقال “التوافق السوري – العراقي”، إلى حلف سياسي – أمني – عسكري بين النظامين لمواجهة خطر “داعش” وأخواتها، على ضفتي الحدود؟ ... متى وكيف وبأية أشكال وصيغ؟
ما الذي ستفعله واشنطن على وجه الخصوص؟ ... هل ستواصل دعمها الأعمى للمالكي، وحربها العمياء على الأسد؟ ... هل ستمضي في سياسة دعم “المعارضة المعتدلة” في سوريا، وتبعث من جديد سياسية تخليق “الصحوات العشائرية” في العراق؟ ... هل ثمة متسع لهذه الاستراتيجية في مواجهة طوفان “داعش” الجارف، أم أن الأمر ربما يحتاج لما هو أسرع وأكبر من ذلك؟ ... هل ستتعامل واشنطن مع “داعش” في سوريا والعراق، بنفس السوية والأدوات والتكتيكات، أم أنها ستظل تتعامل مع “ملفين مختلفين”، بما يمكنها من دعم المالكي واستهداف الأسد في الوقت عينه؟
هل نرى الطائرات الأمريكية من دون طيار، تحلق في سماء العراق (وربما سوريا)، هل ستصح فرضيتنا التي أطلقناها قبل أزيد من عام، من أن أول غارة أمريكية في سوريا، ربما تكون ضد أهداف للقاعدة وليس للنظام؟ ... كيف ستتغير السياسة الأمريكية حيال العراق وسوريا بعد اليوم، هل هناك سياسة أصلاً؟
تطورات الساعات الأخيرة الدراماتيكية والمقلقة في العراق، سيكون لها أثرها في إعادة تشكيل مواقف وحسابات وتكتيكات دول كثيرة في هذه المنطقة، بالأخص إيران “صاحبة الولاية العامة” على المحور/ الهلال، وتركيا التي بات لها جار ثالث على حدودها الجنوبية، والأردن الذي يرقب بكثير من الحذر والقلق مثل هذه التطورات، ويجد نفسه مضطراً لانتهاج مقاربات جديدة، أكثر حذراً وأبعد مدى في التعامل مع الأزمات التي تعصف بالبلدين الجارين، وبالأخص في سوريا، وللحديث بقية.