توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس غير!

  مصر اليوم -

تونس غير

عريب الرنتاوي

مرّ قرار مجلس وزراء الخارجية العرب بتصنيف حزب الله منظمةً إرهابيةً، مرور الكرام على الرأي العام العربي في دوله الاثنتين والعشرين ... غالبية الدول التي أيدت القرار، لم تجد حاجة لاستفتاء أحد أو مراجعة أحد، وكذا الحال مع الدول التي تحفظت ورفضت و”نأت بنفسها” عن القرار ... الرأي العام العربي، مُغيب عن مؤسسات صنع القرار في دوله، إن كانت هناك مؤسسات لصنع القرار أصلاً، وربما توفر قضية حزب الله نموذجاً عن قضايا عديدة، أكثر أو أقل أهمية، تُتخذ القرارات بشأنها دون مشورة أو مشاركة من أحد.

وحدها تونس شذّت عن قاعدة “الإجماع العربي”، فالرأي العام التونسي انخرط بكليته في الجدل الوطني العام حول القرار، برغم توقيع وزير الداخلية، المتسرع على قرار الوزراء العرب، وأمكن بعد أيام من احتدام النقاش، داخل الائتلاف الحكومي والبرلمان وعلى مختلف المستويات الشعبية والمدنية، بلورة إرادة جمعية، ليخرج رئيس البلاد للتعبير عنها بموقف يعبر عن حالة التوافق الوطني، أو على الأقل عن وجهة واتجاه الغالبية العظمى من التونسيين.

لست هنا بصدد مناقشة صحة أو عدم صحة الموقف الذي انتهت إليه تونس، لكن لا بأس من البوح، بأنه موقف صحيح، وحزب الله، كما حماس، لا يمكن إدراجهما في قوائم الإرهاب، حتى الأوروبيين لم يفعلوا ذلك، واكتفوا بالتمييز بين جناحين للحزب، واحد عسكري وآخر سياسي، الأول مصنف إرهابياً، فيما الثاني لم يصنف كذلك، بل أن ممثليه ومندوبيه في الحكومة والبرلمان اللبنانيين، يُدْعون إلى عواصم أوروبية، ويلتقي بهم الموفدون والمبعوثون الأوروبيون.

ما يهمنا هنا هو أن تونس، التي قلنا في وصفها ذات يوم، أنها أول الثورة وأول الدولة، وأن فرادة نموذجها التوافقي السلمي للانتقال نحو الديمقراطية، تعود مرة أخرى، لتعلمنا درساً بليغاً، حول “قوة الرأي العام” ودرجة انخراطه في عملية صنع القرار، وقيمة كل هذا وذاك، في خلق الانسجام الضروري بين إرادة الحكم وإرادة الشعب، فيما الحال في دول عربية عديدة، معظم الدول العربية الأخرى، إن لم نقل جميعها، يسير في اتجاه مغاير، فالقرارات، كبيرها وصغيرها، بما فيها قرارات “الحرب والسلام” تُتخذ في غفلة من الرأي العام، وغالباً بالضد من إرادته.

الفرق بين الموقفين التونسي والجزائري، المنسجمين بالنتيجة، أن الأول، جاء ثمرة حوارات وطنية ومشاركة شعبية هائلة، فيما الثاني، جاء فوقياً، ومن صنع نخب قيادية، داخل غرف مغلقة ... تونس وفرت لنا فرصة للتعرف على وجهة واتجاهات الرأي العام بحرية ونزاهة ومن دون خوف وابتزاز، فيما سنظل عاجزين عن معرفة كيف تتوزع مواقف واتجاهات المواطنين في جميع الدول الأخرى، المؤيدة منها للقرار والمعارضة له.

اللافت حقاً، أن تونس، بتياراتها السياسية والفكرية، قدمت مواقف مغايرة تماماً لمواقف نظيراتها العربيات ... حتى حزب النهضة، ذي الجذور الإخوانية، كان متميزاً على هذا الصعيد، ميّز بين خلاف بين مواقف وممارسات “إشكالية” لحزب الله، يصح فيها الاختلاف و”الأخذ والرد”، وبين وضعه على لائحة الإرهاب السوداء، وهو الذي قاتل إسرائيل ببسالة، وحرر جنوب لبنان من الاحتلال، وأذاق العدوان كؤوس المرارة في العام 2006 ... وليت أن قادة الحركات الإسلامية، حماس والإخوان على وجه الخصوص، يتمعنون في مواقف الشيخ راشد الغنوشي، ويستخلصون منها الدروس المناسبة.

يقودنا ذلك، للتعليق على أمرٍ آخر، لطالما جرى بحثه في السنوات العشر أو العشرين الفائتة: هل تخدم الديمقراطية مصالح الغرب، واستتباعاً إسرائيل، أم أنها قد تعيد تموضع حكوماتنا وأنظمتنا في غير المكان الذي تشتهيه لها، السفن الغربية، والإسرائيلية على وجه الخصوص.

تونس تعطي برهاناً إضافياً، على أن شعوبنا ما أن تمتلك حريتها وزمام قرارها، حتى تصطف في المكان الصحيح ... فلا يمكن للرأي العام العربي، أن يشاطر إسرائيل “عرسها” بتصنيف حزب أو حركة مقاومة، كتنظيم إرهابي، ومن قبل أبناء جلدته من عرب ومسلمين ... إسرائيل ذاتها، لم تصدق الأمر، لفرط غرابته واستثنائيته ... وحدها تونس، وقفت لتقول إن أمراً كهذا، يضرب في صميم قناعات التونسيين وعقولهم وضمائرهم، وقد ترجموا ذلك، بحرية ونزاهة، في موجة الجدل التي دارت في البلاد.

لا يعني ذلك للحظة واحدة، تأكيد “الوهم” بأن حزب الله ما زال يحتفظ بجاذبيته السابقة لدى الرأي العام العربي، وان صورته لم تتأثر بفعل قتاله في سوريا إلى جانب النظام، وفي العراق تحت رايات الحشد الشعبي، أجزم أن تونسيين كثر، لا يؤيدون الحزب فيما ذهب إليه ... لكن مع ذلك، لم يفقد هؤلاء البوصلة، ولم تأخذهم خطابات المذاهب وحروبها وخنادقها، ولم تصرفهم عن رؤية مصادر التهديد التي تتهدد الأمن القومي العربي... ونفتح قوسين هنا لنضيف: إنها فرصة لحزب الله وحلفائه، الذين أمعنوا في هجاء “الربيع العربي” ووصفوه “خريفاً”، علّهم يجرون المراجعات المطلوبة، والكف عن “الاستنسابية” في تسجيل المواقف من ثورات هذا الربيع وانتفاضاته... بل وربما تكون مناسبة أيضاً لمراجعة كثير من مواقف الحزب وممارساته، التي أسهمت في تنفير قطاعات من الرأي العام منه، وجعلتها تنفض من حوله.

ما حصل في تونس، يستحق أن تُرفع له القبعات احتراماً ... بيد أنه سيضيئ أضواء حمراء كثيرة، في كثير من عواصم القرار الإقليمي والدولي، التي لا شك ستنظر بعين القلق والارتياب، لهذا الفصل في التجربة التونسية ... فهل سيرتفع منسوب التآمر على تونس الشقيقة، وهل سينخفض منسوب الدعم الدولي للتجربة الفتية؟ ... أسئلة وتساؤلات برسم الأيام المقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس غير تونس غير



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon