توقيت القاهرة المحلي 01:40:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جريمة سيناء..التطرف والتباطؤ

  مصر اليوم -

جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ

عريب الرنتاوي

إذا أردنا أن نعرف ما يجري في سيناء، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في القاهرة ... ما يحدث في سيناء هي جريمة أقرب ما تكون للفضيحة، لا لأنها تتكرر وبذات الحجم المأساوي كل بضعة أشهر فحسب، بل لأنها تدحض مختلف الادعاءات عن نجاحات مفترضة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب وتطهير سيناء، والتي تحظى عادة بتغطية إعلامية احتفالية مضللة، باتت جزءا من المشكلة بدل أن تكون توطئة للحل.
خلال الأشهر القليلة، تعرض مئات الجنود والضباط المصريين للقتل والذبح وأفدح الإصابات على أيدي المتطرفين الإسلاميين ... الموجة الأخيرة من عمليات الاستهداف كانت الأعنف والأبشع، عشرات القتلى وأضعافهم من المصابين ... هجمات متزامنة، وفي مناطق عدة، بالسيارات المفخخة وقذائف الهاون ... برغم إعلان الطوارئ وتمديد أحكامها ... كيف أمكن للقتلة أن يوقعوا هذا العدد الضخم من الجنود والضباط؟ ... كيف لهم أن يفلتوا بفعلتهم؟ ... كيف لهم أن ينجحوا في تدبير عمل هكذا بعد أسابيع من بناء الشريط الحدود مع القطاع الذي كاد يقضي على مدينة رفح المصرية بكاملها؟ ... وكيف استوطنوا في مناطق فيها من العسكر أكثر مما فيها من المدنيين؟ .... أسئلة وتساؤلات، يستحق الرأي العام المصري والعربي ردوداً عليها.
أحداث سيناء ألحقت أذى كبيرا بصورة العهد المصري الجديد وهيبته ... الشعب المصري خرج بالملايين ضد حكم مرسي والإخوان، متطلعاً لاستكمال ثورة العيش والحرية والكرامة ... لا العيش توفر للمصريين إلا بشق الأنفس، أما الكرامة والحرية فباتت عملة نادرة، تفضي مصادرتهما إلى انزياح قوى ثورية متزايدة إلى صفوف المتظاهرين والمحتجين في الشوارع ... وقبل أيام، كانت اليسارية شيماء والإخوانية سندس تفقدان حياتيهما في الشوارع برصاص الشرطة، ليُحال الملف، كما غيره من الملفات إلى أرشيف لجان التحقيق التي لا تصل إلى نتيجة.
ولأن سيناء ليست الساحة الوحيدة لممارسة العنف والإرهاب، الذي انتشر وينتشر في مختلف المدن والبلدات المصرية، فإن حفظ الأمن واستعادة الاستقرار، بات مطلباً لجميع المصريين، لا يقل أهمية عن الحرية والعيش ... بمعنى أن ظروف المصريين بعد التغيير الذي حصل في يونيو ويوليو باتت أسوأ مما كانت عليه.
ملايين المصريين التي خرجت لاسقاط حكم الإخوان، بنت آمالا عراض على الحكم الجديد، وهي منحت ثقتها للجيش والمؤسسة العسكرية، لاستئصال الفساد وتفكيك منظومة الاستبداد واستعادة الأمن والأمان ... أي من هذه الأهداف لم يتحقق بعد، بل أن كافة المؤشرات تدعو للتشاؤم في فرص تحقيقها في المدى المنظور.
وعلى قدر التوقعات الكبيرة التي أحيط بها العهد الجديد، فإن مشاعر الخيبة والإحباط، ستكون كبيرة بلا شك ... فالنظام القديم، نظام الفساد والاستبداد الذي ثار ملايين المصريين لاسقاطه وتفكيكه، يعود ليطل برأسه البشع في ثنايا التعيينات والأحكام القضائية وقوائم المرشحين للانتخابات المقبلة ... ولم يجد العهد الجديد من هدية أفضل لشباب ثورة يناير وصباياها، في الذكرى الرابعة للثورة، سوى إطلاق سراح نجلي الرئيس المخلوع، علاء وجمال ومبارك ... أما أحكام البراءة التي صدرت بالجملة ضد رموز العهد البائد، فتقف كشاهد على “الثورة المغدورة” التي استبدلت وجهاً بوجه، ورجلاً برجل من دون أن تنجح في تفكيك مفاصل الاستبداد والفساد، أو مرتكزات الدولة العميقة المناهضة للإصلاح والتغيير.
قبل فترة ليست قصيرة، قلنا في هذه الزاوية بالذات، إن مصر قد تكون مقبلة على موجة ثورية ثالثة، إن لم يسارع العهد الجديد على إدراك ما يمكن تداركه ... يبدو أن عجلة الحكم والتغيير في مصر تسير ببطء، والمرجح أن وتائر سيرها ستتباطأ أكثر على وقع تناقص المساعدات الخارجية الناجم عن انهيار أسعار النفط ... في المقابل، لا يبدو أن الحناجر الصادحة بالعيش والحرية، ستتوقف عن المطالبة باستئناف الثورة، كما ان معاول الإرهاب والتخريب لن تتوقف عن العمل للمس بأمن مصر واستقرارها وسلمها الأهلي.
إن لم يكن سقوط هذا العدد الهائل من الضحايا في سيناء، سببا لإجراء المراجعات الشاملة، السياسية والأمنية منها ... إن لم تكن محفزاً على الوفاء لأهداف ثورتي يناير ويونيو، فإن ميادين القاهرة والإسكندرية ستكون على موعد غير بعيد، مع موجة ثورية أخذت تطل برأسها على أية حال ... فثمة ما يشي بأن أحداث اليوم تشبه أحداث الأمس، وثمة من يقول ما “أشبه اليوم بالأمس” بالإشارة إلى مصر عشية ثورة يناير.
الإرهاب يوحد المصريين، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون مصدراً لارتياح السلطات ... ومحاربة الإرهاب تتطلب ابتداءً، تمكين الشعب المصري من حريته ولقمة عيشه، وإقناع ملايينه التسعين، بأن بلدهم سائر على طريق الإصلاح والتغيير، وأن لا مطرح لرموز الفساد والاستبداد في العهد الجديد، وأن الثورة ستنجز أهدافها، ولن تكون “ثورة مغدورة” أبداً ... إن لم يحصل ذلك، علينا أن ننتظر المفاجآت من القاهرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ



GMT 18:45 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

2025 عـــام النجاح والحـــــذر

GMT 17:15 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لا للعفو العام.. نعم لسيادة القانون

GMT 17:14 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 17:13 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والعدوان اللذان شطبتهما 2024...

GMT 17:11 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

وجهة نظر مختلفة في قانون المسئولية الطبية

GMT 17:10 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

العتاة يلجأون أيضاً

GMT 07:23 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الطبيب الروسي عبد الكريموف مع الملك عبد العزيز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon