توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن «نظرية المغناطيس»

  مصر اليوم -

عن «نظرية المغناطيس»

عريب الرنتاوي

بلورت الإدارة الأمريكية «نظرية» خاصة بها لتفسير سر انجذاب «المجاهدين» إلى سوريا واستطالة أمد الأزمة السورية وتفاقمها، يمكن أن نطلق عليها «نظرية المغناطيس»، التي تزعم أن بقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه، سيظل محفزاً لحركات التطرف العنيف على إرسال المزيد من العناصر والمجندين إلى سوريا، وأن تنحي الأسد أو تنحيته، هو الممر الإلزامي للانتصار في الحرب على الإرهاب وإنجاح العملية السياسية سواء بسواء.
لا أدري إن كانت الولايات المتحدة، الدولة العظمى، المستحوذة على أكبر عدد من أهم مراكز البحث والتفكير في العالم، مؤمنة حقاً بهذه النظرية، أم أنها طوّرتها أساساً بهدف تصديرها إلى الدول الصديقة والحليفة لواشنطن، سيما وأننا غالباً ما نستمع للمسؤولين الأمريكيين، يرددونها عشية أو في أثناء زياراتهم لتركيا ودول خليجية بعينها، ما خلق الانطباع لدينا، بأنها «نظرية للتصدير» وليست للاستهلاك المحلي في الغالب.
لست هنا بصدد تناول مسألة الأسد، بقاءً أو رحيلاً، لكن لا بأس من «التقدمة» للموضوع قيد البحث، بجملٍ مختصرة، حتى لا يُفهم من المقال، أن تفنيد «نظرية المغناطيس»، إنما يستهدف تسويق وتسويغ بقاء الأسد على كرسيّه: لن نسعد أبداً إن كانت بدائل الأسد من طراز زهران علوش وشاكلة البغدادي والجولاني، أو إن كان متحدّراً من أحرار الشام ومن هم على شاكلتهم من «الدواعش» المتخفين خلف رايات وأسماء مختلفة ... وسنقلق كثيراً، بخلاف بعض خصوم الأسد، إن كان ثمن رحيله، تقويض سوريا دولة ومجتمعا ومؤسسات، بما يجعل كلفة بقائه أقل بكثير من كلفة رحيله ... لكننا في المقابل، نرى أنه لا يليق بسوريا، دولة ومجتمعاً وشعباً، أن تظل تحت ظلال «عائلة الأسد» لنصف قرن، سيما بعد الأكلاف الهائلة للحرب في سوريا وعليها، تلكم مسألة غير مقبولة بحال، لا سياسياً ولا أخلاقياً ولا بأي ميزان من الموازين ... نريد لسوريا أن تجتاز بتكاليف أقل، مرحلة الانتقال، ومن بعدها لكل حادث حديث.
تفتقر «نظرية المغناطيس» لما يمكن وصفه، الفهم الأعمق لدوافع ومحركات «المشروع الجهادي» في سوريا ... هنا تبرز مسألة الأسد، بقاءً أو رحيلاً، كمجرد تفصيل ... إذ حتى لو جيء بأكثر الشخصيات الوطنية ميلاً للحرية والنزاهة والتعددية، فلن يغير ذلك سطراً واحداً في مشروع هذه التنظيمات، والذي يتعلق حصراً، ببناء «الخلافة» أو «الإمارة»، وإنفاذ ما تعتقده «شرع الله» على البلاد والعباد، وبالقوة الغاشمة، وتحويل سوريا، إلى منصة للجهاد العالمي، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
وحتى لو جيء بأمير من «النصرة» أو «أحرار الشام» إلى «قصر الشعب» في دمشق، فلن تضع الحرب أوزارها، ولن يتوقف تدفق المجاهدين والاستشهاديين والانغماسيين ... بدلالة ما رأينا من مصائر ومآلات الجهاد الأفغاني بعد رحيل الاتحاد السوفياتي عن كابول، ولاحقاً اجتياح طالبان لأفغانستان وتدمير الهياكل الجهادية المختلفة، وببرهان من سوريا ذاتها، عن «حروب الإخوة الأعداء» من أبناء المدارس السلفية الجهادية المختلفة، والتي كانت أشد بأساً على بعضها البعض، من شدتها في مواجهة النظام السوري، أو صنوف المعارضة السورية الأخرى.
ثم، عن أي «مغناطيس» يمكن أن نتحدث في العراق واليمن وليبيا، التي بدأ «داعش» وأخواتها في توجيه هجرة الجهاديين صوبها؟ ... ولماذا يستهدفون تونس على سبيل المثال، وهي البلد الذي قدّم أفضل تجارب الربيع العربي في الانتقال التوافقي – السلمي إلى الديمقراطية؟ ... عن أي مغناطيس يمكن أن نتحدث هناك؟ ... وهل استثنت «داعش» من أجندتها، أو أسقط من «بنك أهدافها» دولاً أخرى، لا «مغناطيس» فيها من الطراز الأسد فيها؟  ... أو ربما يتعين طرح السؤال بطريقة أخرى، أكثر دقة، هل استثنت «داعش» أي بلد على الإطلاق من لائحة أهدافها في الأصل، أم أن المسألة مرتبطة بالأولويات والإمكانيات والقدرة على اختراق مزيد من الدول والمجتمعات؟
«نظرية المغناطيس» تصلح في سياق السجال السياسي حول مصير الأسد، وشكل سوريا القادمة، وموقعها على خريطة التحالفات والمحاور الإقليمية ... بيد انها نظرية قاصرة، عندما يتعلق الأمر بأهداف «الزحف الجهادي» إلى سوريا وأسبابه ومحركاته ... هنا، وهنا بالذات، لا يمكن الحديث عن سوريا إلا بوصفها حلقة مركزية، في مسلسل «الجهاد العالمي» ذي الأجندة المفتوحة في الزمان والمكان، وبصورة تكاد تكون معها، نسخة «إسلامية»، غير منقحة وغير مزيدة، عن نظرية «الثورة الدائمة» التروتسكية ... وبهذه المناسبة، ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الجهاديين، لا يؤمنون بـ «الخلافة في بلد واحد»، تماماً مثلما رفض تروتسكي وأتباعه، النظرية الستالينية عن «الاشتراكية في بلد واحد».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «نظرية المغناطيس» عن «نظرية المغناطيس»



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon