توقيت القاهرة المحلي 09:51:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصة صعود «الجماعة» وهبوطها

  مصر اليوم -

قصة صعود «الجماعة» وهبوطها

عريب الرنتاوي

بدت السنوات العشر الفائتة، “عشرية ذهبية” لجماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإقليم، سجلت خلالها الجماعة صعوداً غير مسبوق، لا في حجم نفوذها وشعبيتها في العديد من دول المنطقة ومجتمعاتها، بل وأمكن لها أن تصل للسلطة في عدد من الدول الكبيرة والصغيرة، ما جعل منها، قوة لا رادّ لها، أو هكذا كان يُظن، ولهذه الظاهرة جملة أسباب، لا يتسع “المقام” حتى لمجرد ذكرها أو المرور عليها.
بدأت القصة من تركيا، بتسجيل نجاح لافت لحزب العدالة والتنمية في الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع ... وشهدت عدة دول عربية انتخابات برلمانية، سجّل فيها الإخوان نتائج مهمة ... في غزة 2006، أوصلت الصناديق حماس إلى السلطة، وحقق العدالة والتنمية في المغرب، نتائج في انتخابات تشريعية “مضبوطة” على إيقاع المؤسسة الملكية النافذة هناك ... وفي العراق، كان الحزب الإسلامي شريكاً ومكوناً رئيساً في سلسلة الحكم، منه جاء نائب الرئيس ومنه أيضاً جاء رئيس البرلمان، والحكاية ذاتها، تكررت بكثير من التشابه في عدة دول أخرى.
إلى أن جاء الربيع العربي، وحمل على “بساطه الطائر” الجماعة إلى سدة الحكم في أكبر وأهم بلد عربي، وقبلها كان إخوان تونس، يتولون مقاليد الحكم بالشراكة مع مكونين ضعيفين نسبياً ... أما ليبيا، فقد حققت الجماعة اختراقاً ملموساً، وهي وإن لم تحل أولى في نتائج الانتخابات، إلا أن مآلات الأزمة الليبية وتطوراتها، جعلت منهم فريقاً لا يشق له في حسابات السياسة الليبية، وفي المغرب، تحوّل “التقدم” الذي حققه حزب العدالة في انتخابات سابقة، إلى “اختراق” مكّنه من تشكيل الحكومة بالشراكة مع “الاستقلال” قبل أن انسحاب الأخير، واستئناف الإسلاميين الحكم بالشراكة مع “الشيوعيين”، ممثلين في “التقدم والاشتراكية”.
قرأنا كغيرنا، هذه الموجة الصاعدة للجماعة الإسلامية، وقدّرنا أن المنطقة ستدخل “عشرية الإخوان المسلمين” ... يومها اعترض علينا بعض السياسيين قائلين: إنه “عصر الإخوان”، فهيهات أن يخرج هؤلاء من السلطة، وقد وصولوا إليها بعد طول انتظار ... لكن رمال هذه المنطقة المتحركة بسرعة قصوى، تأبى أن تُبقي شيئاً على حاله، وتصرُّ على أن تدهشنا صبيحة كل يوم، بمفاجأة تكاد تأتي على جميع تدرجات مقياس “ريختر” لقياس الزلال والهزات الأرضية.
قوى كثيرة، بعضها عواصم نافذة، لم يرقها وضعاً كهذا، نظراً لإدراكها العميق، بأنها لن تكون الاستثناء، أو الخروج عن قاعدة “العشرية الإخوانية”، فالإخوان بين ظهرانيهم كذلك، ... فكان أن اشتعلت الأضواء الحمراء في مختلف العواصم التي لم تلفحها رياح الربيع العربي ... وقد وفرت الجماعة، وفي وقت قياسي لم نكن نتوقعه، كل الذرائع والأسباب، التي مكنت خصومها من تسريع الانقلاب عليها ومطاردتها، وانتزاع رايات النصر من بين أيدي قادتها، بل وإعادة الكثيرين منهم إلى سجونها، التي خبرها هؤلاء، لسنوات وأحياناً لعقود طوال.
وخلال فترة قصيرة نسبياً، لا تزيد على عام واحد إلا قليلا، كان إخوان مصر يغادرون السلطة، تحت ضغط الشارع والجيش في 30 يونيو والثالث من يوليو ... وكان إخوان تونس، يستلحقون أنفسهم بمغادرة السلطة “توافقياً” قبل أن يضطروا إلى مغادرتها تحت الضغط نفسه ... وكانت ليبيا تتحضر لحملة شاملة ومنظمة لمطاردة الإخوان، توّجها اللواء خليفة حفتر بتحركه العسكري السريع ... وكانت حماس تستعجل المصالحة، وتسليم مقاليد السلطة حتى لحكومة يرأسها رامي الحمد الله، مبدية الاستعداد للعودة إلى “قواعد” قوتها التقليدية وأدوات نفوذها الفصائلية، لا الحكومية ... أما تركيا، فلا أحسب أن رئيس حكومة في العالم، يكابد “الشقاء” كما يفعل أردوغان، الذي ما أن يخرج من أزمة، حتى يدخل في غيرها، لكأن سنوات صعوده قد انتهت، وحانت لحظة هبوطه الاضطراري على مدارج الأزمات والفضائح والفشل.
أما المغرب، فلا ندري كيف ستؤول التطورات فيها، فللتجربة سياقاتها المغايرة ... إسلاميون يتولون الحكم تحت ظلال مؤسسة ملكية قوية ونافذة ورؤيوية ... قوى سياسية وحزبية ومدنية، وازنة، قادرة على توفير “المعادل الموضوعي” للإسلاميين ... ونظام انتخابي يحرم أي حزب سياسي من الحصول على الأغلبية المطلقة للمقاعد، تؤهله الحكم منفرداً ... لكن خسائر الإخوان المتتالية في عواصم المنطقة والإقليم، لا شك ستنعكس بصورة سلبية على نظرائهم المغاربة.
لا ينبغي على الإخوان، الاكتفاء بتعليق سبب تراجعهم وخسارتهم لـ “ملكهم” إلى نظرية المؤامرة ... المؤامرة موجودة، وبعض الأنظمة والحكومات لا تريد الإخوان، لا لأنهم جماعة متطرفة أو إرهابية، بل لأنهم جماعة منظمة ونافذة وقادرة، ربما وحدها دون سواها، على المنافسة ... على الإخوان الاعتراف بداية بأنهم ماهرون في الوصول إلى السلطة وقادرون على ذلك، بيد أنهم عاجزون عن الاحتفاظ بها، والعمل وفقاً لمنطقها وآلياتها وحساباتها.
إن لم تكن قصص الفشل المتلاحق والهزائم المتتالية، سبباً كافياً لإجراء المراجعة، فلن تتوافر لجماعة الإخوان فرصة مماثلة في المدى المنظور لفعل ذلك ... إن لم يكن مسلسل الأخطاء والخطايا التي قارفوها في الحكم، وفي أوقات قياسية، سبباً وجيهاً للتقييم والتقويم، فلن تكون هناك سانحة أخرى لفعل ذلك على ما نظن ... حديث المؤامرة يمكن أن يستمر لمائة عام قادمة، لكن ما ينفع الناس ويبقى في الأرض، هو أن “تجرؤ” الجماعة على إجراء المراجعات المطلوبة، وهذا أفيد لها ولمجتمعاتها وللدول والأوطان التي تحمل هويتها، فهل تفعل؟
"نقلاً عن جريدة الدستور الأردنية"

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة صعود «الجماعة» وهبوطها قصة صعود «الجماعة» وهبوطها



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon