توقيت القاهرة المحلي 21:41:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصة صعود وهبوط الإسلام السياسي التركي

  مصر اليوم -

قصة صعود وهبوط الإسلام السياسي التركي

عريب الرنتاوي

ثلاثة عوامل ساهمت برفع مكانة تركيا عالياً في أوساط النخب والرأي العام العربي ... الأول، وتمثل في مواقف أنقرة المستقلة عن “الناتو” برغم عضويتها فيه، وقد تجلى ذلك في أثناء الحرب الأمريكية على العراق العام 2003، ورفض تركيا تمكين التحالف الغربي من استخدام أراضيها وأجوائها لضرب العراق كما فعلت دول عربية عديدة ... الثاني، المواقف العدائية لإسرائيل، وتحديداً زمن “عامود السحاب” على غزة وسفينة “مافي مرمرة” وما أعقبها وتلاها من تطورات، دع عنك حكاية “دافوس” وخروج أردوغان من القاعة احتجاجاً على إعطاء شمعون بيريز دوراً أكبر في الكلام ... والثالث، وهذا عامل اختصت به النخبة العربية خاصة، ويتعلق بقدرة العدالة والتنمية على التصدي بنجاح لثنائيات قاتلة من نوع: الدين والدولة، الإسلام والعلمانية، الشرق والغرب، ونجاح أول حزب ذي مرجعية إسلامية، في تحقيق “معجزة اقتصادية” من جهة، ونقل تركيا إلى ضفاف الدول الديمقراطية تقريباً من جهة ثانية.
بعد أكثر من عشر سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، وأكثر من ثلاث سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي، هل ما زالت هذه العوامل تفعل فعلها، في الرأي العام العربي وفي أوسط نخبه السياسية والفكرية على حد سواء؟ ... هل ما زال بالإمكان النظر إلى تركيا بوصفها نموذجاً مختلفاً لتجربة الإسلام السياسي، أو تجربة يمكن الاحتذاء بها والتعلم منها، حتى لا نقول، يمكن إعادة انتاجها عربياً؟
بخلاف العام 2003 وتجربة الحرب الأمريكية على العراق، كانت تركيا، من أكثر المتحمسين لاستدعاء “الناتو” في الأزمة السورية ... كانت الأكثر استعجالاً في استدراج التدخل الأجنبي في الصراع الدائر في سوريا وعليها ... كانت الأكثر إلحاحاً في الترويج للعسكرة والتسلح والتدخل العسكري والممرات الآمنة ومناطق الحظر ... كانت الأكثر تورطاً في ثنايا ودهاليز الأزمة السورية، حتى أنها جعلت من حدودها وأراضيها ومدفعيتها وسلاحها الجوي، ظهرياً وممراً ومقراً لكل المعارضات السورية، بمن فيها الجماعات التكفيرية الأكثر تشدداً، كالنصرة في مختلف المراحل، و”داعش” في بعضها، دع عنك سياسة الأبواب المفتوحة لتهريب السلاح إلى سوريا، وتهريب النفط السوري، ومعه جميع معامل حلب تقريباً إلى الداخل التركي.
لقد أسقطت أنقرة بنفسها، شعارات “حسن الجوار” و”عدم التدخل” و”قضايا المنطقة تحلها دول المنطقة”، وكل ما تم إدراجه في معرض تسويق وتسويغ نظرية “صفر مشاكل” و”العمق الاستراتيجي” ... كافة هذه الشعارات، سقطت مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وانتقال قاطرته إلى محطتها السورية بخاصة.
أما عن إسرائيل والعلاقة معها والموقف منها، فيمكن القول إن صفحة توظيف “العداء اللفظي”، عالي الوتيرة لإسرائيل قد انطوت، أو هي في طريقها لأن تُطوى ... أردوغان شخصياً “بشرنا” بذلك قبل يومين ... والعلاقات بين البلدين لم تنقطع، بل ازدهرت في المجال الاقتصادي والتجاري خلال السنوات الأربع الفائتة ... وغزة ما زالت ترسف في قيود الحصار وأغلاله، ولم يعد فك الحصار عنها شرطاً لإعادة تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية، وثمة بوادر لعودة الروح لعلاقات استراتيجية بين الدولتين، تعززها روائح النفط والغاز في شرق المتوسط، وسعي أنقرة لاجتذاب المزيد من مصادر الطاقة وطرق إمدادها.
تبقى “قوة النموذج”، أو “القوة الناعمة” التي نهضت عليها فكرة “النموذج التركي” القابل للاقتداء والاحتذاء، حتى لا نقول للتصدير ... هذا النموذج بدأ يترنح في السنوات الأخيرة بدوره ... حروب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة بخاصة، ضد الإعلام والصحافة، ولاحقاً ضد القضاء، ومن قبل ضد المؤسسات والتيارات العلمانية، ومن بعد ضد حليفه الأقرب فتح الله غولن ... وسلسلة التعديلات الدستورية والتشريعية التي تنحو باتجاه تعزيز قبضة “السلطان” و”الحزب الحاكم”، وما رافقها وأعقبها من فضائح فساد يجري العمل على طمسها، وحروب شعواء ضد “تويتر” و”يوتيوب”، وتحوّل تركيا إلى أكبر سجن للصحفيين، ومن ثم تمرير قانون الاستخبارات الذي يعزز دورها في الحياة السياسية الداخلية، ويعزز من حصاناتها ... كل ذلك، بدد -إلى حد كبير- “بريق النموذج” وهالته.
أضف إلى ذلك، أن أردوغان وحزبه، ما عادا مضطرين للتورية و”التقية” في التعبير عن هويتهما الثقافية والإيديولوجية ... في مرحلة صعود الحزب والزعيم، كان يكفي أن تصف أي منهما بـ “الإسلامي” حتى تستولد موجة من التوضيحات والتفسيرات التي تذهب لنفي هذه “التهمة”، وتؤكد على هوية الحزب “المحافظة” ذي المرجعية الإسلامية ... اليوم، لم يعد الدين مكوناً رئيساًفي خطاب العدالة فحسب، بل بدأنا نلمس النبرة المذهبية السنيّة في لغته وشعاراته ... ورأينا الحزب والزعيم، لا يتورعان عن إعلان تحالفهما الوثيق مع “جماعة الإخوان المسلمين” العرب، وليس مع الدول العربية أو مختلف مكونات المجتمعات العربية ... الأمر الذي ولد حالة من الانفضاض من حول “التجربة التركية”، ليس في العالم العربي فحسب، بل وبدأنا نرى إرهاصات “مسألة علوية” في تركيا التي لم تنجح بعد، في معالجة “المسألة الكردية”.
التجربة التركية ما زالت تجربة مشبعة بالدروس بالغة الأهمية ... وفي ظني أنها بحاجة لدراسة معمقة، أكثر مما حصل حتى الآن ... ولعل “تحولات” آخر ثلاث سنوات منها، هي الأكثر إثارة للفضول المعرفي... لأننا كما قلنا “ذات مقال”، وفي هذه الزاوية بالذات: لقد انتظرنا “تتريك” الإسلام السياسي العربي في مرحلة صعود العدالة والتنمية، فإذا بنا “نعرب” الإسلام السياسي التركي، في مرحلة هبوطه ... وأحسب أن الحزب والتجربة، في مرحلة هبوط، برغم نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة صعود وهبوط الإسلام السياسي التركي قصة صعود وهبوط الإسلام السياسي التركي



GMT 12:03 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 12:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

GMT 11:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 11:56 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«كاستنج» والتنقيب عن بئر نفط المواهب

GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon