عريب الرنتاوي
بعد طول انتظار، خرجت “حكومة الوفاق الوطني” إلى النور ... متخطية أزمة “وزير الخارجية” وحقيبة الأسرى ... وجاءت كما سبق لنا أن وصفناها بـ “تعديل وزاري” غير موسع على حكومة رامي الحمد الله ... الوزراء الأساسيون في حكومته السابقة، ظلوا في مواقعهم ... وحده وزير الأوقاف من بين الوزراء الإشكاليين، من تمت الإطاحة به ... بقي رياض المالكي على رأس وزارة الشؤون الخارجية، ولم يحظ الأسرى بوزارتهم في الحكومة الجديدة، بعد أن كلف رئيسها وزير الشؤون الاجتماعية بمتابعة ملف انتقال الأسرى من “الوزارة” إلى “الهيئة”.
تضاربت أسماء التشكيلة الوزارية وأعداد الوزراء من موقع إخباري لموقع آخر، ما اضطرني للعودة إلى وكالة “وفا” الرسمي، للاطلاع على المرسوم الرئاسي، وبما يدل على حجم التخبط والتضارب ... كما تضاربت الأنباء عن موقف حماس من الحكومة الجديدة، حتى أن سامي أبو زهري الذي شفّت تصريحاته الصباحية عن موقف مناهض لإعلان الحكومة من جانب واحد، ومن دون وزارة للأسرى، عاد ليقول بعد ظهر اليوم نفسه، أنها “حكومة الكل الفلسطيني”، ويبارك لشعب فلسطين حكومته الجديدة.
هي حكومة الرئيس عباس بامتياز ... ليست حكومة “وفاق وطني” إلا بالاسم فقط ... رئيسها ووزراؤها لم ترض عنهم حماس إلا مرغمة، فيما فتح تعارض بعضهم، إن لم نقل أغلبهم ... أما برنامج الحكومة، فهو كذلك، برنامج الرئيس بامتياز: حكومة الاعتراف بحل الدولتين، والمسار التفاوضي والتنسيق الأمني (المقدس) ... حكومة التظاهرات والمقاومة السلمية، حكومة الاتفاقيات المبرمة ونبذ العنف والاعتراف بإسرائيل ... ومع ذلك، فهي ستظل تحمل اسم: حكومة الوفاق الوطني.
لا معنى لكل التحفظات الجزئية والشكلية التي تساق، ولا لكل التبريرات التي يجري إدراجها لشرح الموقف ... انتهى الانقسام كما أعلن الرئيس، وتوحدت الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية حول حكومته وخلف برنامجه ... هذا هو التفسير الواقعي لما جرى، وكل ما عداه باطل، يندرج في سياق التسويق والتسويغ، التبرير لا التفسير.
ما الذي يعنيه ذلك؟ ... باختصار، إن خط الرئيس أساساً، هو الذي انتصر، مع أن كل ما سبق تشكيل الحكومة وصاحبها وأعقبها، كان يشير إلى أزمة خيار التفاوض، أو أزمة برنامج الرئيس، وانتصار الخيارات الأخرى: “المقاومة”؟ ... ولا أدري كيف يفسر “المقاومون” انتصار البرنامج النقيض لبرنامجهم، بل وتوقيعهم عليه، وتقديم التبريكات للشعب وفصائله بهذا الإنجاز العظيم... لا شك أن إعلان تشكيل “حكومة الوفاق” قد أنعش حركة فتح ... لا شك أنه سيخلق حالة من الجدل والتنازع داخل حماس، فحصيلة الحوار وتشكيل الحكومة، أسقطت بالجملة والمفرق، معظم إن لم نقل جميع، مطالبات حماس واشتراطاتها، وهذا في ظني لن يمر مرور الكرام في حركة تشهد منذ سنوات، جدلاً داخلياً محتدماً حول مستقبلها وخياراتها.
الفصائل الفلسطينية رحبت بالإنجاز، مع أنها طالما اشتكت من تجاوزها وإهمالها، وكثير منها قال بأنه لم يُستشر في أثناء المشاورات أو عند التشكيل، ولم تتقدم بأسماء للحكومة الجديدة ... ومع ذلك، بادر بعضها للاحتفاء بهذه المناسبة، وتقديم التهاني للشعب بمولوده الجديد وبانتهاء انقساماته.
الحكومة باتت أمراً واقعاً، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ... برغم ما شابها ويشوبها من نواقص وعثرات ... وهي خطوة انتقالية، من المفترض أن تستمر لأشهر ستة، أو أزيد قليلاً، لكن أحداً لن يكون بمقدوره تأكيد ذلك، فكم من خطوة أو إجراء انتقالي تحول إلى دائم ومستدام، في التجربة الفلسطينية ... هل تذكرون كم سنة قضت حكومة سلام فيّاض في “تصريف الأعمال”؟ ... ما الذي يدعو الفصائل للاعتقاد انها حكومة انتقالية، وأن لها وظيفة واحدة: إجراء الانتخابات ومن ثم الرحيل ... هذه نهايات لا يعرفها سوى “عالم الغيب والشهادة”.
إسرائيل من جهتها، أعلنت الثاني من حزيران الجاري، يوماً أسود لعملية السلام ... وقررت اعتماد ثلاث عقوبات بحق الحكومة والسلطة: وقف التفاوض، تقليص الأموال المحوّلة للسلطة بما يديم التنسيق الأمني ومنع وزراء غزة من الوصول إلى الضفة .... ما الذي ستقرره السلطة في مواجهة هذه الإجراءات العقابية؟ ... هل سيظل التنسيق الأمني مقدساً، فيما تفرض حكومة نتنياهو أطواقاً من العزلة والمقاطعة على السلطة والمنظمة والحكومة؟
إسرائيل تحرّض المجتمع الدولي على “حكومة تعتمد على حماس وتستند إليها” ... لا أحد سيصغي لإسرائيل في نهاية المطاف، وسيتعين على إسرائيل أن تتصرف لوحدها حيال السلطة، حتى الولايات المتحدة، لن تجاري إسرائيل في موقفها التصعيدي هذا، فالكل يعرف أن حكومة نتنياهو تبحث عن ذريعة لتعطيل حل الدولتين، والتغطية على مسار الاستيطان المتسارع ... إسرائيل ستخسر هذه الجولة في مواجهة الفلسطينيين، والنصر في هذه المعركة “صبر ساعة”، لا أكثر ولا أقل، وثمة في إسرائيل على أية حال، من ينظر بعدم الرضي لمواقف نتنياهو تيار الصقور في حكومته ... ثمة من يرى أنها حكومة عباس وليست حكومة حماس، وأن من الحكمة التواصل مع حكومة نجحت في جذب حماس إلى مواقع السلطة والمنظمة، وليس العكس ... الصورة ستتضح كثيراً ... الصورة ستظهّر قريباً.