بقلم عريب الرنتاوي
انتظر الأردنيون بفارغ الصبر، معرفة “الرقم السحري” في انتخابات 2016، وأعني به عدد المقترعين الذي قارب المليون ونصف المليون ناخب وناخبة، بزيادة أكثر من 200 ألف صوت عن انتخابات العام 2013، وهو رقم أثار ارتياح الجهات المشرفة على الانتخابات، مثلما اثارت زيادة الـ “200 ألف” صوت، ارتياح الإسلاميين، الذين نظروا إلى الزيادة بوصفها نتيجة لمشاركتهم الكثيفة هذه المرة.
بين عامي 2103 و2016، زادت أعداد أصحاب حق الاقتراع عن نصف مليون ناخب وناخبة تقريباً، وساهم تخفيض سن الناخبين بموجب القانون الانتخابي الجديد، بزيادة 128 ألف ناخب إلى كشوف أصحاب الحق، وفقاً لتقديرات دائرة الأحوال المدنية، وبفرض القبول بفكرة أن “الكتلة التصويتية” للإخوان تقدر بحوالي 200 ألف ناخب وناخبة، قاطعت الانتخابات السابقة وشاركت في الانتخابات الحالية (مع أنني أشك في الرقم في ضوء النتائج الأولية للانتخابات، وهذا ما سنعود إليه بعد صدور النتائج النهائية الرسمية)، فقد كان يتعين على (1.8- 2) مليون أردني على الأقل، المشاركة في الاقتراع حتى نحافظ عن المعدل الحقيقي لنسبة المشاركين في العملية الانتخابية ... هذا الأمر لم يحصل، والعزوف ظل سيد الموقف ... صحيح أنه لم يبلغ حد “الكارثة”، لكنه مؤشر خطير يستوجب البحث والتأمل.
الانتخابات لم تتمخض عن مفاجآت، وفقاً للنتائج الأولوية، غير الرسمية بعد، الكتلة الأكبر في البرلمان الثامن عشر تتشكل من النواب السابقين، تليها كتلة الإخوان المسلمين (حوالي 18 مقعد)، كنّا قدرنا حصولهم على عشرين مقعداً بزيادة أو نقصان لمقعد أو مقعدين، والنساء سيتجاوزن حاجز الحد الأدنى “15مقعداً”، من دون أن يتخطين عتبة البرلمان السابق (18 مقعد)، وبنسبة قد تصل إلى 14 بالمائة، وهي نسبة متدنية على أية حال، وهي دون الالتزام الحكومي المقطوع بموجب “الاستراتيجية”... اليسار المدني، غير المنظم، سيحصل على مقعدين أو ثلاثة مقاعد، فيما الأحزاب المتناسلة عن جماعة الإخوان، لن تدخل الندوة البرلمانية بصفتها، اثنان أو ثلاثة من أعضائها سيدخلونها من بوابة العشيرة، بقية المجلس سيتوزع على رجال أعمال وممثلين للعشائر والعائلات الممتدة، وبما يضمن أغلبية وازنة، مؤيدة في العموم، لجميع الحكومات، وقابلة بما سيعرض عليها من تشريعات وسياسات وقرارات.
لا شك أن قانون الانتخاب، على عجره وبجره، قد أطلق ديناميكيات جديدة في الحياة السياسية والحزبية والاجتماعية الأردنية، سيتعين علينا تتبع تداعياتها في قادمات الأيام، فقانون القوائم النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة/ الدائرة، كشف خواء الحياة السياسية المحلية والطبقة السياسية المعروفة باسم “رجالات الدولة” الذين عجز معظمهم على التعامل مع مقتضيات القانون الجديد، فآثر الانسحاب من العملية ابتداءً، أو فشل في أول اختباراتها، كما تشير النتائج الأولية.
وأرغم القانون الجديد الوحدات الاجتماعية على التفكير بعيداً عن حدود العشيرة والعائلة الممتدة، وأظهر حاجة الأردنيين للانفتاح على بعضهم البعض، من دون نظر إلى اختلاف الهويات والمرجعيات الثانوية، ودفع المترشحين للتفكير جدياً في البحث عن شراكات من أوساط النساء ومختلف المكونات، خصوصاً في الدوائر التي تتميز بتعددية في مكوناتها، وتلكم خاصية، لم يكن قانون الصوت الواحد يوفرها لمن يفكر بخوض غمار المنافسة.
العملية الانتخابية بعمومها، تميزت بقدر عالٍ من الشفافية والنزاهة، بشهادة العديد من المراقبين والمشاركين، وإن كانت تخللتها مواطن ضعف كثيرة، وثغرات يتعين تلافيها في المرات القادمة والاستفادة من دروسها وعبرها، وعلينا أن ننتظر تقارير الرقابة الدولية حول الانتخابات، لنرى ما سيتمخض عنها من توصيات ومقترحات، كما سيتعين على جهات الرقابة المحلية أن ترفع من سوية أدائها واستقلاليته سيما بعد أن تعرض أداؤها لكثير من النقد من أطراف عدة.
على أية حال، توفر الانتخابات للبرلمان الثامن عشر، مادة غنية للبحث والتحليل، لا في واقع حياتنا السياسية والحزبية فحسب، بل وفي صميم حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ما يستوجب العودة مرات أخرى، لتناول الموضوع من زواياه المختلفة، وإلى لقاء.