توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسائل دمشق لعمان

  مصر اليوم -

رسائل دمشق لعمان

بقلم : عريب الرنتاوي

يتزامن التقدم النسبي في تطبيق اتفاق مناطق “تخفيف التصعيد” الأربع في سوريا، مع تصعيد غير مسبوق في حدة الخطاب السوري حيال الأردن، لكأن في الأمر علاقة سببية بين خفض التصعيد في الداخل وزيادة حدته مع الخارج، وهو أمرٌ غير منسجم وغير مفهوم ... فبعد التصريحات غير المسبوقة للرئيس السوري (حديثه مع وكالة سبوتنيك) والتي كال فيها شتى الاتهامات للأردن، جاء الدور على وزير خارجيته المخضرم وليد المعلم ليكمل ما بدأه رئيسه، وليضع الأردن بين خيارين لا ثالث لهما: إما التنسيق مع دمشق في أي عمل عسكري داخل الأراضي السورية، وإما المجازفة باعتبار أي قوات أردنية على الأرض السورية، قوات معادية، مع ما يستتبعه ذلك بالطبع.

وفقاً لما توافر لديّ من معطيات، وهي ليست كاملة بالطبع، فإن مناخات من القلق والتخوف، تسود في العاصمة السورية، وامتداداً حتى طهران والضاحية الجنوبية، حيال ما يقال ويشاع، وربما ما يجري الاستعداد له، عن عملية عسكرية أردنية – أمريكية – بريطانية واسعة النطاق، في جنوب سوريا، وامتداداً إلى خط الحدود السورية – العراقية ... وهي العملية التي تتخذ من الحرب على “داعش” مبرراً وشعاراً لها، في حين أنها تسعى في مسابقة الزمن، لملء فراغ “داعش” المرجح حدوثه في الأشهر القليلة القادمة على امتداد هذه المنطقة، والأهم قطع التواصل البري بين سوريا والعراق، وامتداداً بين طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، وفقاً لما يجري تداوله من “تقديرات” بين إيران وحزب الله والقيادة السورية.

التقارير بشأن هذه العملية، تتوالى من دون انقطاع، وصور الأقمار الاصطناعية التي جرى بثها مؤخراً للحشود العسكرية على مقربة من الحدود السورية، استبطنت بعض رسائل التهديد لعمان وحلفائها، في ظل صمت أردني رسمي لافت، يعتمد مبدأ “خير الكلام، أقله”، يتحدث تارة عن موقف مبدئي رافض لفكرة إرسال “جنود على الأرض”، وأخرى عن “نظرية الدفاع في العمق”، ما يعني بصورة أو أخرى، قول الشيء ونقيضه ... فراغ الساحة  من الرواية الرسمية الأردنية، ترك الباب مفتوحاً لشتى الروايات والإشاعات والتخمينات.

من يدقق في لهجة الخطاب الرسمي السوري الأخير، يرى أنه ينطوي على رسالتين متضاربتين شكلاً، منسجمتين مضموناً ... الرسالة الأولى وفيها قدر من الوعيد والتهديد بالتصدي لـ “القوات المعادية” حال اختراقها أو بعد اختراقها لـ “السيادة الوطنية” السورية ... والثانية، فيها دعوة للتنسيق والتعاون بين البلدين ... دخول القوات الأردنية إلى الأراضي السورية، ليس أمراً مرفوضاً من حيث المبدأ، المرفوض تماماً هو دخولها من دون إذن أو بناءً على طلب أو بتنسيق مع السلطات في دمشق، وهذا أمرٌ مفهوم في العرف السياسي والقانون الدولي في الظروف العادية والطبيعية.

لكن الوضع في سوريا ليس طبيعياً ولا عادياً، إذ باستثناء بعض الجيوب التي تتواجد فيها قوات النظام في الجنوب والشرق، فإن مسرح العمليات “الافتراضي” تتوزعه قوى مسلحة، أهمها الجماعات الإرهابية، وبفرض أن الأردن يريد الدخول في عمق الجغرافيا السورية، وبقوات برية تمسك بالمناطق التي سيخليها “داعش” أو سيطرد منها، فإن ذلك لن يحدث من دون “تحالف” مع قوتين عظميين على الأقل: الولايات المتحدة وبريطانيا ... ولا أحسب أنه في حالة كهذه، سيكون محتاجاً أو مضطراً للاستجابة للطلب السوري، بل قد يكون العكس تماماً هو المطلوب ... لكن الأردن في مطلق الأحوال، نسق مع النظام أم لم ينسق، سيجد نفسه “متورطاً” في صراع قد يطول أو يقصر مع النظام وحلفائه، فضلاَ عن حربه الأساس مع الجماعات الإرهابية المرابطة على مقربة من الحدود.

أين موقع موسكو في كل هذا السجال؟ ... في ظني أن روسيا هي الأقل قلقاً من بقية حلفائها السوريين والإقليميين حيال ما يجري على جبهة الجنوب السوري ... وهي وإن اتخذت مقاربة خاصة بها، واحتفظت لنفسها بمسافة عن حلفائها، إلا أنها في كل الأحوال، لن تبتعد عنهم كثيراً، أقله في المرحلة التي تسبق صياغة التوافق الأمريكي – الروسي حول الشأن السوري والإقليمي بعامة ... هنا يتعين مرة أخرى على عمان، أن تولي ملف التنسيق والتفاهم مع روسيا، أولوية كبرى، إن هي أرادت لحربها ضد الإرهاب ومسعاها لتحصين الحدود وحفظ الأمن والاستقرار، أن تكون بأقل قدر من المخاطرة والكلفة.

من حيث المبدأ، وحتى ما قبل خان شيخون – الشعيرات، أعلن كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في الدولة الأردنية عن استعداد للتنسيق والتعاون مع دمشق، وكشفوا في مقابلات صحفية علنية، عن وجود “قنوات خلفية” للتواصل، مدنية وعسكرية كذلك ... لا أدري إن كان هذا الموقف لا يزال قائماً، أم أن التصعيد الحاد في لهجة الخطابين، الأمريكي والبريطاني، ضد الأسد ونظامه وضد طهران وهلالها وقوسها، قد أدخل تغييراً على الموقف الأردني.

في كل الأحوال، لا أرى شخصياً أي غضاضة، في تفعيل قنوات التواصل مع دمشق، سيما إن ظلت أهداف أي مشاركة أردنية عسكرية على المسرح الجنوبي لسوريا، محدودة بالأهداف التي طالما جرى البوح بها: حماية الحدود وتوفير ملاذات آمنة لمنع المزيد من اللجوء وعودة بعض اللاجئين السوريين إلى وطنهم، من ضمن رؤية أوسع للحل السياسي للأزمة السورية، الذي هو مصلحة وطنية أردنية عليا بامتياز.

لكن مهمة الديبلوماسية الأردنية ستكون أكثر صعوبة، إن توسع نطاق أي عملية عسكرية جنوبية وتعددت أهدافها لتشمل “تحجيم” الدور الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، عبر تقطيع الطرق البرية ومنع التواصل الجغرافي بين أطراف “محور المقاومة والممانعة”، عندها وعندها فقط، سيصبح أي تواصل فاقداً لجديته وجدواه، فالمعركة هنا، تكون دخلت في مرحلة “كسر العظم” التي لا ينفع معها، اتصال هاتفي أو تسمية “ضباط ارتباط” بين الجانبين.

صحيفة : الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل دمشق لعمان رسائل دمشق لعمان



GMT 10:53 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

الذهنية الطائفية

GMT 11:14 2024 الأحد ,11 آب / أغسطس

فى انتظار الحرب الإقليمية!

GMT 03:09 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

وتُقَدِّرونَ فتضحك الأَقدارُ... إيران وإسرائيل

GMT 03:07 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

GMT 03:43 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

رد أميركي خدم الإيرانيين

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon