بقلم عريب الرنتاوي
وفقاً لرئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، فقد بلغ عدد المترشحين الحزبيين في انتخابات البرلمان الثامن عشر، 216 مترشحاً، فاز منهم 27 نائباً، بنسبة تعادل 13 من إجمالي عدد المترشحين للانتخابات و20 بالمائة من إجمالي عدد أعضاء المجلس، والأرقام دائماً لخالد الكلالدة.
باستثناءات قليلة، خاضت الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابات، من ضمن تحالفات ملتسبة، ضيّعت من خلالها هويتها السياسية والفكرية، وصار يتعين على الباحث “التنقيب” في ثنايا القوائم عن مرشح حزبي هنا وآخر هناك، وغالباً ما اعتمد المرشحون الحزبيون تكتيك إخفاء هويتهم الحزبية، معوّلين بذلك، على تحالفاتهم العائلية والعشائرية، وفي بعض الأحيان، مع رجال أعمال نافذين ... الأمر الذي يزيد من صعوبة التعرف على الأحجام والأوزان الحقيقية للأحزاب السياسية الخمسين، التي شارك 39 منها في الانتخابات، في حين عجزت الأحزاب الأخرى عن تشكيل قوائم خاصة بها، أو إيجاد موطئ قدم لكوادرها على متن اللوائح المتنافسة.
تناولنا في مقال سابق، حصاد الحملة الانتخابية لحزب جبهة العمل الإسلامي وحلفائه، وهو الحزب الوحيد الذي نافس تحت يافطة حزبية/ سياسية، وتمكن في الوقت ذاته، من الحصول على أزيد من نصف إجمالي عدد الحزبيين في البرلمان، اليوم سنعرض لأبرز ملامح وسمات الحملات الانتخابية للتيار اليساري – القومي، ونتائج تلك الحملات.
عجزت الأحزاب اليسارية والقومية عن خوض غمار المعترك الانتخابي بقوائم مشتركة، حتى أن أربعة أحزاب يسارية خاضت الانتخابات بمعزل عن بعضها البعض، وكذلك فعلت الأحزاب القومية الثلاثة، برغم تقاسم هذه الأحزاب خلفية فكرية مشتركة، واشتراكها إلى حد بعيد، بمواقف سياسية متقاربة، وتلكم حقيقة باتت معروفة، لا ينفع معها استمرار التلاوم الحزبي عن المسؤولية في تعثر جهود بناء الائتلافات والتحالفات الانتخابية.
وفقاً لقراءة كاتب هذه السطور، فقد خاضت الأحزاب اليسارية والقومية الانتخابات بستة عشر مرشحاً،من بينهم ثلاث مترشحات، وبنسبة تقل قليلاً عن العشرين بالمائة، نسبة المرشحات الإناث إلى إجمالي عدد المرشحين على المستوى الوطني العام، مع أنه كان من المتوقع أن تزيد نسبة المترشحات اليساريات والقوميات عن المعدل العام للترشيحات النسائية.
توزع المرشحون الـ 16 على سبعة أحزاب قومية ويسارية، بواقع 4 مرشحين من حزب البعث العربي الاشتراكي و3 مرشحين لكل من حزب الوحدة الشعبية والحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الشيوعي، ومرشح واحد لكل من حزب البعث العربي التقدمي وحزب “حشد” وحزب الحركة القومية،توزع المرشحون على إحدى عشرة قائمة انتخابية، في دوائر إربد الأربعة ودائرة الزرقاء الأولى، ودائرة عمان الأولى والبلقاء والكرك وجرش، وغاب مرشحو اليسار والقوميين عن بقية الدوائر (9 دوائر من أصل 23 دائرة).
الأحزاب المذكورة، اعتمدت تكتيكات انتخابية غير مألوفة، إذ باستثناء ثلاث قوائم تمتعت بنكهة سياسية، سكر خفيف (الوطنية في الزرقاء الأولى وضمت أربعة مرشحين للحزب الشيوعي والوحدة بواقع اثنين لكل منهما، والزيتونة في الكرك وضمت مرشحين من الحزب الشيوعي ومرشح من الديمقراطي الاجتماعي وقائمة السنبلة من إربد الأولى وضمن مرشح واحد لكل من البعث العربي الاشتراكي والوحدة)، فقد توزع بقية المرشحين فرادى، واعتمدوا على ما يمكن أن تقدمه لهم عشائرهم وعائلاتهم ورجال الأعمال من دعم تصويتي، ومع ذلك، لم يتجاوز إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها مرشحو الأحزاب القومية واليسارية على اختلاف مصادرها ومنابعها الـ 35 ألف صوت، وهي نسبة بالكاد تصل إلى خُمس ما تحصلت عليها قوائم الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة.
النتيجة جاءت مخيبة للآمال تماماً، إذ باستثناء حزبي واحد، فاز بأصوات عشائرية، لم تتمكن الأحزاب السبعة من إيصال مرشحين لها إلى قبة البرلمان، ولا حتى بالاعتماد على نظام الكوتات التي تحتاج بالعادة لعدد أقل من الأصوات، لاجتياز حاجز الفوز ... بل ويمكن القول، أن تحالفات بعض هذه الأحزاب اتسمت بالاضطراب السياسي، إذ شاركت خصومها السياسيين بعض القوائم، وحجب أصحاب رساميل أصواتهم على مرشحات حزبيات على قوائمهم، فكانت الفجوة هائلة بين الفائز في القائمة والأصوات التي تحصل عليها بقية أعضائها،
وأخطر ما يمكن استشفافه من الأداء الانتخابي لهذه الأحزاب، انها ضيعت على نفسها فرصة ثمينة لخوض غمار حملة انتخابية بشعارات حزبية وبرامج حزبية، فكانت النتيجة أنها لم تنجح في الوصول إلى البرلمان برغم التنازلات الهائلة التي قدمتها لشركائها في القوائم (لمجرد التحالف معهم)، ولم تنتفع من الفرصة الذهبية التي توفرها الانتخابات للترويج للحزب وقياداته وبرامجه ورؤاه ... والأحزاب تخوض الانتخابات عادة للوصول إلى البرلمان، فإن عجزت عن ذلك، تكون قد نجحت في إيصال رسالتها لأوسع قاعدة جماهيرية ... الأحزاب اليسارية والقومية، فشلت في الأمرين معاً.
نتائج الانتخابات جاءت كارثية على هذه الأحزاب جميعها، رغم أنها لم تكن مفاجئة لأحد على الإطلاق ... وأحسب أنه يتعين على قياداتها، ان تشرع في أوسع عملية تقييم وتقويم لأدائها المتواضع للغاية، من دون استبعاد خيار تجديد القيادة المسؤولة عن هذا الفشل، أسوة بما يحصل عادة في الديمقراطيات القارّة والناشئة، علّها بذلك ترسي تقاليد جديدة في العمل السياسي والحزبي، وترتقي إلى مستوى الوصف الذي تطلقه على نفسها: الأحزاب الديمقراطية.