توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حين ينقلب التفاؤل إلى ترويج للأوهام

  مصر اليوم -

حين ينقلب التفاؤل إلى ترويج للأوهام

بقلم : عريب الرنتاوي

يُصر الصديق حسام زملط، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية، على رؤية “نصف الكأس الملآن” على مائدة دونالد ترامب وإدارته ... وأظنه بهذا المعنى، يغرد خارج سرب مئات وألوف المراقبين والسياسيين في مختلف عواصم العالم، الذين تابعوا بقلق وحذر تصريحات الرجل وطاقمه، بخصوص القضية الفلسطينية، وتحديداً في ملفي القدس والاستيطان.

والمؤكد أن المستشار اليقظ والنشط، يستلهم قدراً من تفاؤله من رئيس السلطة السيد محمود عباس، الذي بشرنا قبل عدة أسابيع، بأن عام 2017 سيكون “عام الدولة الفلسطينية”، قبل أن يعود لاحقاً، ويحقن تصريحات لاحقة له، بمزيد من الحذر والتحفظ، حتى لا نقول التشاؤم، حيال المستقبل القريب لفلسطين والفلسطينيين.

أما مصدر تفاؤل زملط، فينبع من إقدام “الرئيس المنتخب”، مبكراً وقبل تسلم مهام سلطاته، على تعيين صهره جاريد كوشنر، الشاب اليهودي البالغ من العمر 36 عاماً، ما يدل – وفقاً لزملط – على رغبة رئاسية في تقديم القضية الفلسطينية على سلم أولويات الإدارة الجديدة.

ذكرتني هذه التصريحات، بواقعة أخرى، حدثت قبل ثماني سنوات، عندما وطأت أقدام أول رئيس أمريكي أسود عتبات البيت الأبيض ... يومها زارنا وزير الخارجية الأردني المخضرم ناصر جودة في مقر صحيفة “الدستور” وأجرى حواراً مفتوحاً مع هيئة تحريرها، أعرب خلاله عن تفاؤل أكثر حماسةً بالعهد الأمريكي الجديد، مستنداً إلى تصريحات واتصالات هاتفية وتعيينات مبكرة، أقدم عليها باراك أوباما، تخص الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

وعلى الرغم من الفارق الكبير بين أوباما وترامب، فقد قضى الأول ولايتين في البيت الأبيض، من دون أن يحرك ساكناً، برغم خطابي القاهرة وإسطنبول، وشهدت هذه الفترة من حكمه، توسعاً في الاستيطان والعدوان الإسرائيليين، وقدمت الإدارة الأمريكية في عهده، ما لم تقدمه أية إدارة سابقة لإسرائيل، وأصرت على تقديم أزيد من 40 مليار دولار لها في العشرية القادمة، قبل أن تغادر البيت الأبيض .... إذا كانت هذه الحال مع أوباما، الديمقراطي – الأكاديمي، حامل جائزة نوبل للسلام، الرئيس الذي ألهب في بداية عهده مشاعر الكثيرين حول العالم، فكيف ستكون الحال، مع أكثر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، إثارة للجدل والخلاف والانقسام والقلق والتحسب والعنصرية والانحياز لإسرائيل؟

ليست لدي اعتراضات على “يهودية” كوشنر، أو صغر سنه، وسأضرب صفحاً عن سجل عائلته التي ترعرع في كنفها، وهو سجل مثقل بالتهرب الضريبي ورشوة الشهود وشهادة الزور وغيرها من “أسبقيات جنائية”، لا يهمني أن التلميذ كوشنر بعلاماته المدرسية المتدنية، تمكن من الالتحاق بهارفرد بعد أن تبرع لها والده بمليونين ونصف المليون دولار، ودخل “نيويورك” بعد أن تلقت مبلغ ثلاثة ملايين دولار من المليونير كوشنر الأب ... لكن عاقلاً واحداً، لا يمكن أن ينظر إلى هذا التعيين الملتبس قانونياً، بمعزل عن تعيين ديفيد فريدمان سفيراً لإدارة ترامب في إسرائيل، فهذا الثنائي “اليهودي/ الصهيوني” المؤيد بشدة لإسرائيل ويمينها بشكل خاص، هو الذي سيتولى الملف الفلسطيني، وهو الذي سيملأ “نصف الكأس” الذي يرغب الصديق زملط في رؤيته.

فريدمان، المحامي المختص بعمليات الإفلاس وتحايلاتها، هو يهودي أمريكي، صهيوني متحمس لاستيطان الضفة الغربية، القدس وغيرها، وهو قال بعد التعيين إنه يتحرق شوقاً لتولي مهام منصبه من “السفارة الأمريكية في القدس”، وقد وضع على رأس جدول أعماله، تنفيذ “الوعد الرئاسي” بنقل السفارة من تل أبيب إلى “العاصمة الأبدية الموحدة” لإسرائيل، وهو يقف على رأس جمعية أمريكية للصداقة مع أسوأ المستوطنات في الضفة الغربية، التي تجثم على صدر “العاصمة الفلسطينية المؤقتة” في رام الله: “بيت إيل”، وقد حوّل لها ملايين الدولارات الأمريكية طوال السنوات الماضية ... الرجل المتحمس لاستعادة روح الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، سيصبح الضلع الرابع لترويكا اليمين واليمين المتطرف التي تحكم إسرائيل.
من تفاؤل ناصر جودة قبل ثمانية أعوام، إلى “نصف الكأس الملآن” لحسام زملط، جرت مياه كثيرة في أنهار المنطقة، وبالأخص فوق جغرافيا فلسطين التاريخية ... إسرائيل انزاحت أكثر من أي وقت مضى صوب التطرف الديني والقومي، ولم تعد تنتج سوى حكومات من شاكلة حكومة نتنياهو التي قال فيها جون كيري أنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل ... والفلسطينيون في حالة لا يحسدون عليها أبداً، والوضع العربي إلى تآكل وتهالك، والعالم منصرف إلى أزمات أكثر اشتعالاً من القضية الفلسطينية ... ومع ذلك، ما زال هناك من يتعلق بحبال الوهم والرهانات الخائبة.

من تابع آخر مؤتمر صحفي لأوباما كرئيس للولايات المتحدة، لا شك لحظ نبرة التشاؤم في خطابه ... فهو رأى أن فكرة “حل الدولتين” لم تعد تحظى إلا بـ “لحظة أخيرة” قبل أن تتلاشى بفعل الاستيطان، وهو رأى أن التطورات لا تسير في الاتجاه الصحيح ... أوباما لم ير “نصف كأس ملآن” في مواقف ترامب وتعيناته... ربما رأى كأساً، تسعة أعشاره فارغة، وعُشره الأخير المليء، شديد العكورة والالتباس، بخلاف البعض منا ممن يصر على تقسيم كأس ترامب إلى نصفين متماثلين.

نفهم أن يتفاءل السياسي، أو يصطنع التفاؤل حتى في أشد الظروف حلكة وصعوبة ... ولكننا لا نفهم هذا الخلط بين نشر التفاؤل وترويج الوهم ... التفاؤل يجب أن يصاحب السياسي ولا يفارق “المناضل”، ولكنه التفاؤل النابع من الرهان على الشعب وإرادته وطاقته غير المحدودة على الصمود والثبات والتضحية، وهذا شيء مغاير تماماً لترويج الوهم، على ما يمكن أن يفعله الآخرون سيما في مناخات استفحال التطرف اليمين المهيمن في واشنطن وتل أبيب على حد سواء ... نفهم مقولة “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”، ولكننا لا نقبل أن تنعكس المعادلة، فتصبح عقولنا متفائلة وإرادتنا مشلولة ... هنا يصبح للتفاؤل اسم آخر: السذاجة، وتتحول الإرادة إلى نقيضها.

المصدر صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين ينقلب التفاؤل إلى ترويج للأوهام حين ينقلب التفاؤل إلى ترويج للأوهام



GMT 01:19 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

من أوسلو إلى العلمين... بدايات ونهايات

GMT 13:12 2023 الخميس ,29 حزيران / يونيو

خلافة عباس... كيف ومَن؟

GMT 00:11 2023 الجمعة ,28 إبريل / نيسان

هل يفتح غانتس الأبواب التي أغلقها نتنياهو؟

GMT 06:58 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مصر والأردن وفلسطين.. والقمة

GMT 09:44 2022 الخميس ,07 تموز / يوليو

مصافحة الجزائر... ما قبلها وما بعدها

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon