بقلم عريب الرنتاوي
ثمة فرصة حقيقية (ولا أقول تاريخية) لبلورة تيارين سياسيين وازنين، تفتقد لهما الساحة الحزبية الأردنية… الأول؛ هو التيار المدني – الديمقراطي (العلماني)، الذي يتوزع على مجموعة من الأحزاب والشخصيات والمجاميع والحلقات، التي تدور في هذا الفلك، وإن كانت تفصل الواحدة منها عن الأخرى، حسابات وحساسيات شخصية، لا قيمة لها من منظور العمل الوطني العام.
والثاني؛ وهو التيار المدني – المحافظ (ذو المرجعية الإسلامية)، ويضم بدوره أحزاباً قائمة وأخرى قيد التأسيس، وشخصيات سياسية واجتماعية وأكاديمية، تدور بدورها في هذا الفلك، ولا يفصل إحداها عن الأخرى، سوى حسابات وحساسيات شخصية، لا قيمة لها أيضاً من منظور العمل الوطني العام.
اختلاف المرجعيات بين التيارين، لا يجب أن يفسد «للود والتعاون» بينهما قضية … كلا التيارين يتحدث عن المواطنة المتساوية والعقد الاجتماعي ودولة جميع أبنائها، مدنية الدولة وحيادية مؤسساتها، المدرسة الوطنية، القوانين المدنية، سيادة القانون ونبذ التمييز … كل هذه العناوين، يمكن أن تؤسس لتعاون لا يلغي «الهوية المستقلة» لكل من التيارين، المتأسسة على اختلاف المرجعيات، والتي سيترتب عليها، اختلافات حول «مكانة الشرع والشريعة» في المنظومة التشريعية، وموقع الدين من السياسة والدولة، والحريات الفردية إلى غير ما هنالك.
التيار الأول، ويمكن أن يضم، أحزاباً قائمة (الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، وأخرى قيد التأسيس، مثل التيار العربي الديمقراطي و «قائمة معاً» ومجاميع وشخصيات ذات خلفيات يسارية انفصلت عن أحزابها وتوجهت نحو خيارات ديمقراطية، وربما تشكل هذه الشريحة الجسم الأعرض من مكونات هذا التيار، الذي إن أمكن تجميعه تحت مظلة مشتركة (حزب، جبة، ائتلاف أو تحالف)، فإنه سيكون تياراً عريضاً بلا شك، ونوعياً بامتياز.
التيار الثاني، ويمكن أن يضم أحزاباً قائمة «زمزم» على سبيل المثال، وأخرى قيد التشكل (الشراكة والإنقاذ)، وبعض رموز تيارات الوسط الإسلامي، وشخصيات إسلامية أكاديمية وسياسية مستقلة، تشترك جميعها في المرجعية ذاتها، وتتقارب فيما بينها سياسياً وفكرياً، ويمكن أن يمتد هذا التيار ليشتمل على رموز وشخصيات، ما زالت تحتفظ بـ «شعرة معاوية» مع الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين.
غير بعيد عن هذين التيارين، ثمة تشكيلات، لا يمكن إلا احتسابها على التيار المدني بالمعنى الأوسع والأعرض للكلمة والتعريف، وأعني أحزاب اليسار والأحزاب القومية … هي في واقعها الراهن، عباءات ضيقة، لم تستطع الاحتفاظ بكوادرها وقياداتها، ولم تستطع أن تشكل قطباً جديداً في الحياة السياسية والحزبية، ويصعب أن تكون عنواناً ومرجعية لهذا التيار، لكنها مع ذلك، تعد مكوناً من مكوناته، سيما إن هي نجحت في تعميق «المكوّن الديمقراطي» في خطابها، وهذا أمر التبس على كثيرين جراء دعمها وتأييداً لنظم ديكتاتورية وشمولية، ذهبت إلى أبعد حد، في نزعاتها الاقصائية والاستئصالية … وإن هي نجحت في تجسير الفجوات فيما بينها، على الرغم من احتفاظها بمرجعيات فكرية وسياسية متقاربة للغاية.
هذه المقالة، تريد التركيز على التيارين الأول والثاني، المدني الديمقراطي (العلماني) والمدني المحافظ، والغاية منها هي الدعوة لأوسع وأعمق عمليات الحوار والتلاقح بين مكونات كل منها، على أمل الخروج بنتيجة تمكن من إحداث نقلة جديدة في العمل الحزبي الأردني، وتوفير إضافة نوعية لخريطة الأحزاب السياسية الأردنية، وعدم الاكتفاء بملء «خانات» إضافية في كشوف الأحزاب السياسية المسجلة.
هذان التياران يكثران أكثر من غيرهما من الحديث عن «البرامج والبرامجية»… ويدعوان أكثر من غيرهما، للخروج من شرنقة «الحزبي» إلى فضاء «الوطني»… ويقدمان تصوراً «سكر خفيف» لمكانة الإيديولوجيا في عمل الحزب السياسي الحديث … ويشددان أكثر من بقية الأحزاب على مفهوم «البناء والمشاركة»، والمؤكد أنهما سيكونان امام اختبار عسير في قادمات الأيام، إن لم يجيبا على سؤال جوهري: إن كنتم في كل تيار (على حدة) غير قادرين على الشروع في حوار بناء بين مكوناته، وغير قادرين على بناء «توافقات» رغم كل المشتركات التي تجمع مكونات التيار الواحد، فكيف لكم أن تقنعوا الأردنيين، بأنكم جادون فعلاً في ترجمة رسالتكم ونقل أهدافكم إلى حيز التنفيذ؟ … كيف لكم أن تكون جديرين بثقتهم، أو على الأقل، ثقة شريحة وازنة منهم؟
لا يمتلك كل تيار من هذين التيارين ترف الجلوس على مقاعد المتفرجين، بانتظار أن تتكون لدينا تيارات حزبية وازنة، عليهما الشروع من دون إبطاء في لملمة الصفوف وتجميع الطاقات وحشدها، وعليهما البرهنة بإن إعادة الثقة والاعتبار للحزبية والعمل الحزبي الأردني، ما زال أمراً ممكناً… هنا الوردة فلنرقص هنا.