توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل"

  مصر اليوم -

صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل

بقلم : عريب الرنتاوي

هذا هو حال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وضعت نفسها في مقر مقفر في رام الله، تصفر فيه الريح، ونسيت شعبها في المنافي والشتات، وبدل أن تدّخر الطاقة التي بذلتها لتفنيد أهداف ومرامي مؤتمر إسطنبول، لإعادة بث وإحياء منظمة التحرير، رأينها تضرب يميناً وشمالاً وتكيل الاتهامات والإدانات جملة وبالتقسيط، لكل من خطط وموّل وشارك في أعمال المؤتمر المذكور.

دوائر عديدة ومسؤولون كبار وجيوش من المنظمين الموكلين بمهمة جمع الشتات وإدامة التواصل مع الأهل في منافيهم ومغترباتهم، لكن شيئاً على الأرض لا يُرى من هؤلاء، فالسؤال الذي قرع جدران مؤتمر إسطنبول كما تفيد تقارير المشاركين والتغطيات الصحفية هو: أين منظمة التحرير الفلسطينية؟ ... أين الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني؟

لست بصدد الحفر في نوايا المؤتمر وأهداف المؤتمرين، وأعرف أن طموحاً يراود فصائل أساسية (حماس هنا وبعض بقايا فصائل دمشق على وجه الخصوص) بخلق أطر موازية ومنافسة، وربما بديلة في لحظة ما، ونعرف نوايا المحور الإقليمي الذي يحتضن ويمول ويرعى، لكن الأهم من كل هذا الجهد العبثي، هو البحث فيما فعلته المنظمة لمنع ذلك وقطع الطريق عليه، وجعل فرص تحقيق المؤتمر لمراميه “السوداء” على حد وصفها، أمراً متعذراً ... الجواب ببساطة: لا شيء على الإطلاق.

المجلس الوطني الفلسطيني شائخ، آخر مرة التأم فيها على عجل في قاعة رشاد الشوا في غزة لتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وزوجته وابنته وطاقم الإدارة ... حدث ذلك قبل أكثر من عقدين من الزمان ... المجلس يتجدد بالوفاة فقط، ولولا العناية الإلهية لما تغير أحد، أطال الله في عمر البقية الباقية من أعضائه ... شيوخ وكهول، بلغوا من الكبر عتيّا، فأنى لهم أن يمثلوا “أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني” كما اعتدنا على القول (زوراً وبهتاناً وإفكا”، وفي مجتمع نفاخر بالقول أن 70 بالمائة من مواطنيه هم من الشباب من دون سن الخمسة والثلاثين.

قبل أزيد من عشر سنوات، وفي سياق مشروع “الاحتياجات والهياكل المدنية للفلسطينيين في الشتات” الذي أشرفت عليه الأستاذ في جامعة أوكسفورد الصديقة كرمة النابلسي، اجتمعنا بممثلين عن عشرات الجاليات الفلسطينية، من أمريكا اللاتينية وحتى الخليج، مروراً بآسيا وأروبا وأفريقيا ... جميعهم بلا استثناء، تحدثوا عن غياب المنظمة، وعن شوقهم لها ولأيامها المجيدة ... تحدثوا عن تآكل الفصائل وترهل السفارات (حتى لا نقول فسادها)، جميعهم بلا استثناء، تحدثوا عن غزو “الحركات الإسلامية” الفلسطينية والعربية، إخوانية وسلفية، للجاليات الفلسطينية في الخارج، في غياب (وغيبوبة) المنظمة والفصائل ... بدل أن تنظر المنظمة لنتائج ذلك المشروع الذي وضع بين يديها، أدارت أذنا من طين وأخرى من عجين لكل توصياته، النابعة من صميم قناعات الفلسطينيين وأشواقهم، ومن دون تدخل من فريق البحث، يتخطى عن “المنهجة” و”التحرير”.

ستذهب “زوبعة مؤتمر إسطنبول” وستطغى الأحداث المتلاحقة في المنطقة على أخبار المؤتمر، لكن المنظمة، قيادتها على وجه الخصوص، ستواصل يومياتها المعتادة، وستعود إلى ممارسة طقوس الكسل والترهل، وانعدام القدرة على الحركة والتحرك، وضعف المبادرة والريادة، إلى أن يأتينا مؤتمر ثانٍ، فنعود لمواصلة انتقاداتنا واتهاماتنا من دون جدوى، لكأننا ننفخ في قربة مثقوبة، أو لكأننا أمام كابوس لا نقوى على الإفلات من غفوته العميقة والمرهقة.

لا ندري إلى متى سيظل القوم في رام الله نائمون على حرير أوهام الممثل الشرعي الوحيد ... هذا الكيان يتآكل، وقرارات الرباط التي كرسته على هذا النحو، في طريقها للتآكل بدورها، وثمة ميل عربي – إقليمي للقفز من فوق حكاية الممثل الشرعي الوحيد (تحدثنا عن ذلك في مقال سابق)، وثمة تجاوب فلسطيني، بريء ومشبوه، يتساوق ويتناغم من هذه الوجهة الإقليمية – العربية ... فما الذي يدفع هؤلاء للركون إلى “سحر الخاتم” الذي بأيديهم؟ ... وما الذي يدفعهم للاعتقاد بأن القلم الذي يحملون هو قلم ياسر عرفات، الذي طالما تغنى بشرعيته، وبعدم قدرة أي قوة على وجه الأرض، لكسره أو تحطيمه؟

الزمان غير الزمان، والرجال غير الرجال، والظرف غير الظرف ... إن لم تستدرك قيادة المنظمة وضعها الراهن، فستبكي مثل النساء ملكاً أضاعته، لم تحافظ عليه مثل الرجال ... هذا من تاريخنا القديم ... أما من تاريخنا الحديث، فالعالم لا يفهم سوى الأقوياء، والمجتمع كالطبيعة يكره الفراغ ... والفراغ حاصل وممتد، حتى بوجود رموز وأسماء شائخة على مقاعد المجلس واللجنة التنفيذية، وحشد من الفصائل الوهمية، التي لا يعادل وزن أغلبها وزن لاجئ فلسطيني فرد، تمكن من أن يجد لنفسه مكاناً تحت شمس الخليج أو ضباب لبنان أو برودة أوروبا وأمريكا الشمالية.

مؤسف هذه الاستمساك بأسماء ورموز ومسميات، سادت ثم بادت ... مؤسف أن نرى أمناء عامين وقادة فصائل قديمة وجديدة، وقد أخذ منها “الخرف” ما أخذ، تقرر حال الفلسطينيين ومآلاتهم ... منذ آخر مجلس وطني فلسطيني ... رحل كلينتون بعد دورة ثانية، وجاء جورج بوش، وتبعه أوباما بدورتين، أما قادتنا الأفاضل، فما زالوا على الأرائك يتكئون ... بئس الحالة التي آلت إليها الحركة الوطنية الفلسطينية.

لا أعرف سفيراً لدولة كبرى أو صغرى، أمضى في بلد معين أكثر من أربع سنوات.

.. أعرف سفراء لفلسطين أمضوا في مواقعهم أكثر من ثلاثين وأربعين عاماً حتى أنهم ما عادوا يعرفون عن فلسطين مثلما يعرفون عن البلدان التي اوفدوا إليها ... أعرف أمناء عامين ونواب أمناء عامين وأعضاء مكاتب سياسية لفصائل، مضي عليهم في المنصب ما يناهز النصف قرن ... هذا حال من المحال أن يستمر ... وإن استمر على هذا المنوال، فلا يلومن أحدٌ من سعى لخلق الكيانات البديلة والموازية والمنافسة ... يداك أوكتا وفوك نفخ.

المصدر: الدستور
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل



GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 10:32 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

الأسير البدوي

GMT 15:29 2024 الأحد ,04 آب / أغسطس

ما بعد هنية

GMT 06:27 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

تصالح الفصائل الفلسطينية!

GMT 01:28 2024 السبت ,11 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon