توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طهران – أنقرة: احتواء الخلافات بات مهمة صعبة

  مصر اليوم -

طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة

بقلم : عريب الرنتاوي

لم يكن لكل من أنقرة وطهران أن تُخرجا خلافاتها الثنائية إلى العلن، لو أنه كان بوسعهما إبقاءها تحت البساط ... فالدولتان الجارتان الكبريان، نجحتا من قبل في تحييد خلافاتهما حول قضايا إقليمية عديدة، وأمكن لهما نسج علاقات ثنائية وطيدة، وفي شتى المجالات تقريباً، وطوال سنوات طويلة ... ولقد خضعت العلاقات الثنائية بينهما لأشد اختبار طوال ست سنوات من عمر الأزمة السورية، واجتازته بنجاح، إلا انهما تشارفان اليوم على ولوج عتبة “سوء تفاهم عميق” على أقل تقدير، إن لم نقل الدخول في مرحلة من التصعيد المتبادل.... فما الذي أدى إلى كل ذلك؟ ... وكيف انتقلت العلاقة من ذروة تحسنها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا (15 تموز/ يوليو) إلى مرحلة التراشق الإعلامي والدبلوماسي بعد المكالمة الهاتفية التي استغرقت 45 دقيقة بين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب في الثامن من شباط/ فبراير الجاري؟

من بين دول قليلة في العالم، وقفت إلى إيران ومعها روسيا، ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية... طهران لم تترد في نقد الانقلاب ودعم “السلطة الشرعية”، فيما عواصم الغرب لاذت بصمت القبور، ولفترة من الزمن كانت كافية لانجلاء غبار المواجهات والمطاردات العسكرية بين فلول الانقلابيين ونظام الرئيس أردوغان ... وقد عدّت حكومة أنقرة، تلك المحطة الفاصلة في حكم العدالة والتنمية، علامة فارقة ومقررة في علاقاتها الدولية، لها ما قبلها وما بعدها ... وجهت أعنف الانتقادات لعواصم الغرب “المنافق”، وكالت أخطر الاتهامات لواشنطن بالضلوع في المحاولة الانقلابية، ولوحت بإغلاق “أنجرليك” في وجه سلاح الجو، بعد أن تحولت القاعدة الشهيرة إلى “وكر تآمر” للانقلابيين.

يومها بدأ الحديث عن “استدارة تركية” في السياسة الخارجية، وبالأخص في سوريا ... انفتحت أنقرة على طهران، وقفزت العلاقات الروسية التركية خطوات كبرى للأمام، وبدا أن “حلفاً ثلاثياً” قد أخذ في التشكل، وهو “الحلف” الذي سيشكل شبكة أمان إقليمية لمعركة الجيش السوري في حلب الشرقية، ومن بعدها لمسار “أستانا” ... ويومها أيضاً، بدا أن علاقات أنقرة مع دول “الاعتدال العربي”، الخليج بخاصة، قد تعرضت لموجة برد وصقيع، أسفرت عن تآكل أدوار كل من قطر والسعودية في الشمال السوري، بعد أن وضعت تركيا يدها على فصائل المعارضة المسلحة، ونجحت في إلحاقها بقاطرة “درع الفرات”.

لم تكن “الاستدارة التركية” مجانية بالطبع، فقد حصلت أنقرة على ضوء أخضر روسي لاجتياح الأراضي السورية بدءاً من جرابلس، وتوسعت في بناء “منطقة آمنة” وصولاً إلى مدينة الباب، ودفع أكراد سوريا ثمناً من كيسهم، على مذبح هذه “الاستدارة”، والأهم أن تركيا حجزت لنفسها مقعداً مهماً على موائد البحث في مستقبل سوريا، سلماً أم حرباً... بعد أن أمكن لها “تعويم” فصائل عديدة محسوبة عليها ومقربة منها، ظلت إلى حينه، مدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية لدى كل من طهران وموسكو ودمشق.

لكن أحلام “السلطان” لا حدود لها، وهو إن قبل على مضض بتخفيض سقف توقعاته ورهاناته في سوريا، فإنه فعل ذلك “مكرهٌ أخاك لا بطل”، وعلى أمل أن تتوافر الفرصة لاحقاً للإفلات من قبضة التفاهمات مع موسكو وطهران ... إلى أن جاء دونالد ترامب بمشروع إشعال حروب متعددة المسارات ضد إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، ليجد أرودغان في أطروحات الرئيس الأمريكي الجديد، “خشبة الخلاص” التي انتظرها لاستعادة أحلامه باستئناف دوره الإقليم التوسيعه، ودائماً عبر البوابة السورية.

حينها قلنا في هذه الزاوية بالذات، إن تركيا بصدد استحداث استدارة ثانية، أسميها “استدارة على الاستدارة”، ويمكن التأريخ للمكالمة الهاتفية المطوّلة المذكورة بين ترامب وأردوغان، بوصفها بداية الاستدارة الثانية... أنقرة عادت للحديث عن المناطق الآمنة الموسعة في الشمال، المسيّجة بأجواء محظورة على الطيران الروسي والسوري ... أنقرة عادت للحدث مجدداً عن الأسد بوصفه جزءاً من المشكلة وليس عنصراً من عناصر الحل ... أنقرة اقترحت تشكيل نواة “جيش وطني جديد لسوريا” من الجماعات المسلحة التابعة لأجهزتها الاستخبارية والتيار الإخواني / السلفي وفصائل التركمان و”الذئاب الرمادية”، يزاحم دمشق على جيشها، إم لم يكن بديلاً عنه.

على أجنحة التصعيد الأمريكي غير المسبوق ضد إيران، حلقت أحلام “السلطان” عالياً من جديد ... عرض على واشنطن أعلى درجات التعاون في الحرب على داعش والإرهاب، مقابل رأس أكراد سوريا وتركيا بالطبع (ومعهم رأس فتح الله غولن إن أمكن)، وأخذ يداعب الميول العدائية الشديدة لدى الرئيس الأمريكي ضد إيران، فبدأ الحديث في أنقرة عن “الجارة اللدودة”، بوصفها “عنصر عدم استقرار وعرقلة” للحل في سوريا، وبدأت المطالبات بسحب قواتها وحرسها والمليشيات المحسوبة عليها من سوريا، على أمل أن يفضي ذلك كله إلى قبول “أوراق اعتماد السلطان” لدى الإدارة الأمريكية الجديدة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ... تركيا أعادت تنشيط علاقاتها مع دول الخليج العربية، وتحديداً قطر والعربية السعودية، وفي مسعى لحشد حلف الاعتدال العربي – الإقليمي (إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الحلف) كما كشف وول ستريت جورنال، وحولت “مسار أستانا” في طبعته الثانية، إلى ساحة اشتباك مع دمشق وطهران وحلفائهما، بدلالة الفارق الجوهري بين مناخات “أستانا 1”وأجواء “أستانا 2”.

أدركت طهران أنها أكثر من غيرها، هي المستهدفة بالاستدارة التركية الثانية، وأن أنقرة تتجه للتموضع في “الناتو الإقليمي” الجديد الذي بشر بها الثنائي ترامب – نتنياهو ... وأن الأشهر السمان السبعة مع أنقرة، في طريقها لأن تستتبع بأشهر عجاف، لا أحد يعرف عددها ... ولم تكن موسكو بعيدة عن المشهد، إذ حذرت الأخيرة من “أجندة تركية خاصة” في سوريا، وبدأنا نسمع انتقادات ومخاوف من مغبة “خذلان السلطان للقيصر”.

هل ستواصل أنقرة استداراتها وتحولاتها، وأين تريد أن تصل، وكيف سينعكس ذلك على علاقاتها الثنائية مع طهران... ثمة ما يشي بأن تركيا سائرة على هذا الطريق، وستواصل السير عليه، طالما ظلت إدارة ترامب على مواقفها “النارية” ضد إيران، لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بإلحاح، هو أين تريد إدارة ترامب أن تصل، وهل ما تشتعل به وسائل الإعلام من مواقف وتهديدات سيكون جوهر السياسة الأمريكية حيال إيران، أو أن الأمر يحتمل تحولات وتبدلات؟ ... سؤال سيقرر ما إذا كانت تركيا ستظل سائرة في مسارها الحالي، أم أن ثمة “استدارة ثالثة” تنتظرنا على الطريق؟

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon