توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة

  مصر اليوم -

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة

بقلم : عريب الرنتاوي

الحروب المتناسلة في العراق وعليه، لا نهاية لها على ما يبدو ... الحرب على داعش لم تضع أوزارها بعد، ومشوار العراق للتخلص من الإرهاب واستئصال شأفته، ما زال مديداً ومريراً ... لكن مع ذلك، نرى اليوم، إرهاصات حرب داخلية جديدة تطل برأسها، ومن كركوك هذه المرة، وبين العرب والكرد، من دون استبعاد احتمال انخراط "أقوام أخرى" قد تجد نفسها متورطة في اتون فصل جديد من فصول الحروب العراقية المفتوحة.

بإجماع حزبي نادر، يقرر إقليم كردستان، رفع علمه الخاص فوق كركوك، يرد البرلمان العراقي برفض القرار، ويدير الكرد ظهورهم لبغداد ... قبلها كان رئيس الإقليم يتوعد بضم المناطق التي تصلها قوات البيشمركة في حربها على "داعش" ... ولقد تحول إقليم سنجار إلى ساحة صراع بين مسعود البارزاني وعبد الله أوجلان، و"سهل نينوى" محط أطماع للإقليم كذلك، تغذيها ميول مسيحية وأزيدية لربط مناطقهم بالإقليم، وليس بالمركز، أو على الأقل، هكذا تتجلى مواقف أكثر الأطراف نفوذها في أوساط هذين المكونين الأقلويين.

يستطيع الإقليم، مدعوماً بحلف غربي طويل وعريض، ومستفيداً من حالة الضعف والاحتراب التي تعيشها الغالبية العربية في العراق، أن يتوسع ويتمدد ... وسيجد من بين الكرد، أغلبية حاسمة تؤيد الانفصال في أول استفتاء على مستقبل الإقليم، وهذا حق للإقليم وسكانه على أية حال، لكن من قال إن العراقيين العرب، سنة وشيعة، سيبقون على ضعفهم وتفككهم واحترابهم؟ ... من قال إن غالبية العراقيين، ستقبل بالأمر الواقع المفروض و"المقتنص" في لحظة ضعف لن تدوم إلى الأبد.

قلنا من قبل، ونكررها اليوم: من حق الإقليم وأهله التصويت بنعم للانفصال، فذاك يندرج في سياق "حق تقرير المصير"، وأذهب شخصياً أبعد من ذلك لإبداء التعاطف مع حلم الكرد التاريخي المستلب، بإقامة كردستان الكبرى، مع أن ذلك الهدف دونه خرط القتاد، لكن ليس من حق الكرد، لا في العراق ولا في سوريا، التصرف بانتهازية واضحة، للتوسع خارج مناطقهم أو فرض حقائق جديدة على الأرض، بالضد من مصلحة شركائهم وأشقائهم، وفي لحظة ضعف نادرة، كما أنه ليس من مصلحتهم أن يفعلوا ذلك، فهم بهذا يؤسسون لجولات لاحقة من الصراع، لن يكونوا فيها دائماً، القوة المحظية والأولى بالرعاية من قبل واشنطن وبروكسيل.

المناطق المتنازع عليها في العراق، يجب أن يُحسم أمرها بالتفاوض مع "الشريك في الوطن"، أو من كان شريكاً فيه، والكرد من قبل ومن بعد، "أقليات" في دولهم، فإن دارت الدوائر، سوف تُستأنف حروب الثأر والانتقام، ولن تكون هناك نهاية لمعاناة مختلف مكونات هذا الإقليم، بفسيفسائه السكانية المعقدة والمتشابكة.

ولن نجادل في "مظلومية" الكرد، وفي مختلف الدول التي يتوزع عليها إقليمهم، أو وطنهم التاريخي، فتلكم من حقائق التاريخ المعاصر، وهم كانوا أيضاً ضحايا التقاسم العصر الكولونيالي، ومشاريع تقسيم المنطقة وتقاسم النفوذ فيها ... وفي مرحلة ما بعد الاستقلالات العربية لم يحظ الكرد بما يترتب لهم وعليهم، من حقوق المواطنة وواجباتهم، ومن يقول بخلاف ذلك، إما جاهل بحقائق التاريخ الحديث، وإما "شوفيني" متعصب وفي دول الإقليم غير العربية (تركيا وإيران) لم يحظ حال الأقلية القومية الكردية أفضل حالاً من نظيراتها في سوريا والعراق... لكن "المظلومية التاريخية" لا ينبغي أن تقود إلى "مظلومية مستقبلية"، معكوسة هذه المرة، و"الضحية" التي تقبل أن تستعير دور "جلادها" و"إخلاقياته" و"قيمه"، لا تستحق التعاطف، والأهم أنها تعاكس مجرى التاريخ، وقد تجد نفسها ذات يوم، ملقاة على هوامشه.

والكرد بـ "استعجالهم" و"تمددهم" غير المحسوب، في سوريا والعراق، يقامرون باستجلاب غضب دول وأقوام أخرى ... إيران ليست سعيدة بتوسع الإقليم، ولا بالنزعات الانفصالية لدى بعض أكراد سوريا، وتركيا من جهتها، مستعدة لخوض "حرب المائة عام"، قبل أن تنتقل عدوى "تقرير المصير" إلى الداخل التركي، وكلا البلدين الجارين الكبيرين اللذان يحيطان بالإقليم من شماله وشرقه، لديهما ما يكفي من الأوراق والأدوات، التي ستجعل حياة الإقليم، صعبة للغاية.

وإذا كانت "المظلة الدولية" تنفع في حماية الإقليم في شمال العراق، أو المشروع الكردي في شمال سوريا من أية عدوانات خارجية، أو تهديد الإرهاب (داعش مثالاً)، فإن هذه المظلة، لن تنقع أبداً، ولن تكون كافية بحال، لحماية هذه الكيانات من حروب المليشيات والطوائف والمذاهب والأقوام، والعراق وسوريا، كلاهما، تحولا في السنوات الأخيرة، من مرحلة "الهوية الوطنية" إلى مرحلة "المكونات" و"الهويات الفرعية"، ومن "الدولة المركزية" إلى ساحة مفتوحة للمليشيات والأحزاب والجماعات المسلحة من كل لون وجنس وملّة، وجميعها جاهزة للاندماج في "حرب الجميع ضد الجميع"، وجميعها كانت أدوات في "حروب الوكالة" التي تشهدها المنطقة من ردح من الزمن.

لو كنت كردياً لصوتُ بنعم لصالح استقلال الإقليم، فمن ذا الذي يريد أن يعيش في ظلال حروب المذهب وحروب المليشيات وحكومات الفساد وزعامات الجهاد العالمي، بيد أنني كنت سأنصح قيادة الإقليم، لاعتماد التروي والحذر، والامتناع عن كل ما يمكن أن يُدخل كرد العراق في صفحة جديدة من الاحتراب الأهلي، ولآثرت الاكتفاء بحث الإقليم على "تقديم النموذج" واللجوء إلى "القوة الناعمة" التي قد تحفز بقية العراق للاقتداء بالتجربة، فإن تعذر، الالتحاق بها، من دون صخب ولا ضجيج، ومن دون ولوج عتبات فصل جديد من فصول "الحرب الدائمة"، في العراق وعليه.
    

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة



GMT 03:34 2022 الجمعة ,12 آب / أغسطس

العراق... النظام بين الشرعية والمشروعية

GMT 05:07 2022 الإثنين ,01 آب / أغسطس

«الحجيّة أم حسين» ومصير العراق

GMT 01:30 2020 الجمعة ,08 أيار / مايو

الكاظمي... هل يفعل ما لم يفعله الأوائل؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon