توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزلٌ بين دمشق وواشنطن (؟!)

  مصر اليوم -

غزلٌ بين دمشق وواشنطن

بقلم : عريب الرنتاوي

ردّ الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد التحية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأحسن منها ... الأخير، مرشحاً ورئيساً، شدد في غير مناسبة على أن إسقاط الأسد ليس مهمة مدرجة على جدول أعماله في سوريا، وأن همه الأول – وربما الأخير – هو “مسح داعش عن وجه الأرض”... الرد السوري، جاء على أرفع مستوى: أهلاً بالقوات الأمريكية في سوريا إن استجابت لشرطين، الأول؛ التنسيق مع دمشق، والثاني؛ احترام سيادة سوريا ووحدتها.

نحن إذن، أمام موجة “غزل”، عذري حتى اللحظة، ورسائل متطايرة عبر وسائط الإعلام، وربما عبر قنوات خلفية ينشط الوسطاء في تحريكها وتسليكها، تفتح صفحة جديدة في الأزمة السورية ... وإذا ما سار الحال على هذا المنوال، فقد نصبح عامل تغيير جديد “Game Changer” في اتجاهات ومآلات الأزمة وسيناريوهات حلها.

مثل هذه التطور في الموقفين السوري والأمريكي، يرضي إلى حد كبير أحد حلفاء سوريا ويقلق حليفاً آخر ... موسكو التوّاقة لفتح صفحة تعاون مع إدارة ترامب، لا شك أنها تتابع بارتياح مثل هذه التطورات وتشجع عليها، وربما تتوسط من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريقها ... أما إيران، الحليف القوي الثاني لدمشق، المشتبك بقوة مع إدارة ترامب، فلا شك أنها تتابع الأمر بحذر وقلق، وتحصي عن كثب كل شاردة وواردة على هذا الصعيد.

القوات الأمريكية موجودة على الأرض السورية، هناك وحدات خاصة وخبراء وأربع قواعد صغيرة على أقل تقدير وسلاح جو لا يفارق الأجواء السورية ... الأسد يعرف ذلك، ولا قدرة له على منعه أو تغييره، وإن كان يأمل في فتح صفحة تعاون مع البنتاغون، تمكنه من استعادة شرعية “دولية” كاد يفقدها، وتعيد إدماجه في المجتمع الدولي ... أما حكاية وحدة سوريا وسيادتها، فالأرجح أن للأمر صلة بملف العلاقات الكردية الأمريكية المقلق للأسد وغريمه اللدود رجب طيب أردوغان ... وفي باب السيادة نستذكر أن “الحاكم العربي” اختزل “سيادة الدولة” بـ “سيادة الرئيس”، فما الذي يقصده الأسد على وجه الخصوص؟!، وأي من السيادتين يعني على وجه التحديد؟!

على أية حال، يدرك الأسد أن لاستئناف العلاقة مع واشنطن في عهد دونالد ترامب، متطلبات وشروطا، الأرجح أنه تبلغ بها، أو على الأقل، لديه تقديرات بشأنها، منها وفي صدارتها، تحجيم الدور الإيراني في سوريا وإنهاء مهمة حزب الله فيها، إن لم يكن فوراً ودفعة واحدة، فبالتقسيط وعلى مراحل غير متباعدة كثيراً ... مثل هذا المطلب/ الشرط، يجد صدى إيجابياً له في موسكو، أو على أقل تقدير، لا يجد ممانعة روسية، فموسكو ليست مرتاحة تماماً لكل هذا النفوذ الإيراني في سوريا، وهذا أمرٌ لم يعد موضع اجتهاد بعد أن تأكد لنا من مصادر عديدة واسعة الاطلاع.

كما أن مطلباً/ شرطاً كهذا، سيثير الارتياح في عواصم أخرى عديدة، إن لم نقل جميع العواصم، باستثناء قسم من العراقيين وقسم من اللبنانيين ... أنقرة ستجده فرصة للتخلص من منافس قوي وعنيد وخشن ... الأردن سينظر إلى أثر ذلك الإيجابي على “الجبهة الجنوبية” حيث ترابط قوات لحزب الله والحرس الثوري ليس بعيداً جداً عن حدوده الشمالية ... دول الخليج ستقيم “الأفراح والليالي الملاح”، أوروبا سترى في ذلك تطوراً إيجابياً وفي الاتجاه الصحيح ... خبرٌ كهذا سيسقط برداً وسلاماً على أطراف عديدة.

ليست مهمة سهلة على الإطلاق بالنسبة للأسد ... الغزل بين العاصمتين لن يبقى “عذرياً” إن أريد له طي صفحة الماضي بالكامل وفتح صفحة جديدة بينهما ... إيران بنت قاعدة نفوذ مادي وسياسي يصعب تفكيكها دفعة واحدة أو حتى على مراحل متقاربة ... ثم أن الأسد سيحتاج إلى سنوات – ربما – لبناء الثقة بكل العواصم التي ذكرنا، وهو الذي يختزن في ذاكرته بأشرطة صور لاجتماعات “نادي أصدقاء سوريا” ومطالباتهم المتكررة له بالتنحي تحت طائلة التنحية ... ومن دون إيران ووجودها ودعمها الكبيرين، سيصعب عليه التصدي لأية انتكاسة في التفاهمات أو خذلان من قبل واشنطن وحلفائها أو تحول في اتجاهات الرأي العام السوري حياله.

لا شك أن الأسد، الذي قال صحفي لبناني في وصفه بأنه “أسير المحبسين”، الإيراني والروسي، يفضل التعامل مع موسكو على طهران، وقد وجد في التدخل الروسي الواسع في سوريا في أيلول 2015 – كما ذكرنا في حينه –متنفساً مكّنه من هامش مناورة أوسع بين حليفين ... لكن الأسد في دواخله، يعرف أن إيران مستمسكة به شخصياً وبحكم سلالته، بخلاف موسكو التي قد تحمله على أكتافها لمرحلة انتقالية، بيد أنها لن تستطيع حمله “إلى الأبد”، كما قلنا ذات مقال أيضاً.

مستقبل الغزل الأمريكي – السوري، رهن بالنتيجة النهائية للعمليات الحسابية التي يجريها بلا شك الرئيس السوري وطاقمه المصغر ... والرجل وفريقه الذي لا يتغير ولا يتبدل إلا بفعل العناية الإلهية، سبق وأن أجرى تمريناً حسابياً في ظروف أحسن مما هي عليه اليوم، عندما زاره كولن باول في العام 2004، وقدم له نفس العرض تقريباً: يتخلى عن حلفه مع إيران ويوقف دعمه لحزب الله ويغلق مكاتب حماس في دمشق ويبعد خالد مشعل وصحبه عنها، نظير علاقات طبيعية مع واشنطن وأصدقائها ... يومها رفض الأسد، وطار كولن باول، ووصل المشروع الأمريكي في العراق طريقاً مسدوداً، وتمددت إيران في المنطقة لتملأ فراغ واشنطن، وبقية القصة معروفة.
 
في ظني أن الأسد لن يتخلى تماماً عن إيران، وليس بمقدوره أن يفعل ذلك بعد كل ما استثمرته في سوريا من مال ورجال وسلاح ... لكن الباب سيظل مفتوحاً لتقليص الدور الإيراني والحد من دور حزب الله في سوريا حتى لا نقول إنهاؤه في مرحلة قادمة، إن لم يكن لرغبة من النظام، فتحت ضغط الحليف الثاني: موسكو ومتطلبات الحل السياسي لسوريا ... قد لا يكون ذلك “ثمناً” كافياً لإقامة علاقات طبيعية بين الأسد وترامب، أو تسليك الطريق بين دمشق وواشنطن في الاتجاهين، بيد أنه ربما يكون كافيا لـ “تفادي شرورها”، وهذا أضعف الإيمان.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزلٌ بين دمشق وواشنطن غزلٌ بين دمشق وواشنطن



GMT 00:00 2023 الأربعاء ,08 آذار/ مارس

"سماحة الإسلام" ليست كفراً

GMT 08:07 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

عودة «داعش»

GMT 08:16 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ليست النمسا.. بل أوروبا والإخوان

GMT 00:24 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

البغدادى انتهى لكن التطرف مستمر

GMT 00:30 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشمال السورى.. حيث الهدايا المجانية للإرهاب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon