بقلم : عريب الرنتاوي
استمعت خلال الأيام القليلة من أصدقاء عراقيين، وقرأت تقديرات ومعطيات صحفية عديدة تتحدث عن مرحلة «ما بعد الموصل و»ما قبل نهاية داعش» ... ثمة قلق حقيقي من انتقال التنظيم الإرهابي من «حرب المدن» بمحاورها الثابتة، إلى «حروب الصحراء والبادية» بمحاورها المتنقلة والمتبدلة ... ثمة تقارير مؤكدة تفيد بأن الجماعة المتطرفة، تنوي التمترس في وديان الأنبار وجبالها وتضاريسها الصعبة والممتدة إلى حدود محافظات عراقية عديدة من جهة، وتصل في مدياتها إلى البادية السورية والأردنية والسعودية.
هذه المنطقة التي تقارب مساحتها ضعف مساحة الأردن، تمتاز بكثرة الكهوف والأنفاق الطبيعية والصناعية (صنع داعش، والقاعدة من قبله)، وهي كانت ملاذاً للتنظيم زمن الزرقاوي والقاعدة، وقبلها عُرفت بأنها «طريق الحرير» لمهربي المخدرات والماشية والسيارات المسروقة والبشر، وكل ما يصلح للتهريب، وصولاً – وإن بصعوبة أكبر - إلى النقب وسيناء ... منطقة تكاد تكون مفرغة من السكان، حتى أن العشائر القليلة المنتشرة فيها والمعتمدة في معاشها على رعي الماشية، غادرتها إلى مناطق أخرى أكثر أمناً.
قبل أيام، حدثني الصديق الدكتور مؤيد الونداوي عن هذه المنطقة، وقال إنه حتى في زمن صدام حسين، كان من الصعب فرض السيطرة على المنطقة والتحكم بمداخلها وخارجها ... بدلالة أن سكانها ظلوا يعملون في تهريب الماشية من وإلى الأردن، ومن يهرب الماشية دون أن يُلحظ على الحدود، يمكنه تهريب أي شخص وأي شيء.
على الطرف السوري من الصحراء/ البادية، لا وجود للقوات النظامية السورية، والنظام بدوره عجز عن تأمين حدوده المفتوحة تلك، حتى وهو في ذروة قبضته الحديدية ... وعلى الطرف الأردني من الحدود، ثمة انتشار كثيف للأجهزة التكنولوجية والمعدات والأفراد من الجيش وقوى الأمن المختلفة، بيد أنها مساحة أكبر من أن تتم تغطيتها بالكامل، إن أخذنا المسافات الحدودية الشاسعة التي يتعين تأمينها.
العراق بحاجة لعشرات ألوف الجنود لتغطية الجزء الخاص به – الجزء الأكبر – إن هو أراد اقتلاع داعش وتصفية جذورها، ومنعها من الاعتداء على مدنه ومراكز محافظاته .... وقبل أيام، جرّب داعش جس نبض القوات الحكومية، عندما نفذ اختراقاً على معبر طريبيل، وقبلها نفذ «غزوة الرطبة» واحتل المدينة بعد أن كان الجيش قد استعادها، وتطلب الأمر حشد مزيد من القوات لبسط سيطرة الدولة عليها من جديد ... ومن هذه المناطق، يمكن تنفيذ عمليات هجومية ضد بغداد والرمادي والموصل والنجف وغيرها.
وجود داعش في المدن العراقية والسورية، بات مسألة وقت، قد لا يزيد عن خريف العام الجاري ... معركة الموصل ستنتهي بعد أسابيع أو أشهر معدودات، ومعركة الرقة تقترب بتسارع، ومعركة تدمر تقاس بالأيام وليس بالأسابيع، ومعها بقية الجيوب الحضرية التي تمترس فيها داعش خلال الأعوام الماضية... أين سيذهب مقاتلو التنظيم، عراقيين وسوريين وعرباً وأجانب، سؤال مفتوح.
البغدادي في الرسالة المنسوبة إليه، أمر رجاله بصعود الجبال والانتشار في الصحراء والبوادي ... أغلب الظن أنه يقصد هذه المنطقة أساساً ... وقبل «توجيه الخليفة لرجاله»، كانت المعلومات تتحدث عن تمركز كثيف لداعش في المثلث الحدودي الأردني – السوري – العراقي، في القائم وعانة وراوة على وجه الخصوص، والبغدادي كان هناك شخصياً، واستهدفته طائرات حربية عراقية من دون أن تصيبه ... وعلى خط الحدود السورية – العراقية يتحرك قادة التنظيم، الذين يتعاملون مع الحدود بين البلدين كـ «خط وهمي» لا أكثر، ويعتبرون المنطقة برمتها، ساحة عمليات من طبيعة طبوغرافية واحدة، والأرجح أن الحال سيستمر على هذا النحو، إلى حين.
من دون جهد أردني- سوري – عراقي – سعودي، مشترك ومنظم، يعتمد التنسيق والتعاون في الميدان، برياً وجوياً، ويعظم من دور أبناء المنطقة وعشائرها و»صحواتها»، لن يكون بالإمكان هزيمة داعش نهائياً، وسيظل التنظيم، عنصر تهديد لأمن هذه الدول الأربع واستقرارها ... لن يكون بمقدور طرف بمفرده أن يفعل ذلك، ولا حتى طرفين، ولن يكون بمقدورهم منفردين أو مجتمعين حسم المعركة من الجو ... لا بد من هجمات منسقة ومتزامنة، تستهدف التنظيم، ... لا بد من توحيد الجهد وتنسيقه والعمل على مسارات متوازية ومتزامنة.
المعركة مع التنظيم لن تنتهي باسترداد الموصل والرقة وتل عفر وتدمر ... المعركة الأصعب مع داعش، ستكون على امتداد البوادي والصحاري المشتركة لهذه الدول الأربع، فإما أن تعمل دول هذا المربع المفتوح، سوية لاستئصال شأفته، وإما أن توفر له الفرصة لالتقاط الانفاس، وترميم خساراته وتعويضها، بانتظار سانحة جديدة ينقض فيها عليها جميعها... المعركة معروفة، وساحاتها محددة، والكرة في ملاعب الدول الأربع.
المصدر : صحيفة الدستور