عريب الرنتاوي
أسابيع قلائل، وتكون الانتخابات الرئاسية والنيابية، قد وضعت أوزارها في أربع دول عربية: لبنان، سيختار رئيساً للجمهورية من بين كثرة من المرشحين ... الجدل يدور حول رئيس “صُنع في لبنان”، مع أن أمراً كهذا يبدو متعذراً في ظل اندماج المكونات اللبنانية بالبيئة الإقليمية للكيان اللبناني ... رئيس وفاقي، وليس توافقي، بمعنى أن تكون لديه القدرة والرغبة والإرادة لبناء وفاق وطني لبناني، لا أن يكون هو نفسه، ثمرة توافق فحسب ... معايير وشعارات أقرب للأمنيات في الحالة اللبنانية، ولا ندري في “ربع الساعة الأخير، أين سترسو بورصة الترشيحات.
مصر ستنتخب رئيسها كذلك، لا مفاجآت في الانتخابات المقبلة، فالمرشح عبد الفتاح السيسي، بدأ بتشكيل فريقه الرئاسي وحكومته المقبلة، وهو تخطى الحملة الانتخابية، بعد أنه أقنعه مثقفو البلاط ، بأنه “مرشح الضرورة”، ومرشح الضرورة، لا يحتاج لحملات ولا لبرامج ... الضرورة ستحمله على جناحيها إلى سدة الرئاسة الأولى ... لكن مع ذلك، فإن أرقاماً من نوع: نسبة الإقبال على الانتخابات، أصوات المرشحين الآخرين، تبدو ضرورية للتعرف على “المزاج المصري العام”
الجزائر ستختار عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، كما تشير معظم الدلائل والمؤشرات ... فالمرشح الذي تدعمه المؤسسة العسكرية وماكينة الدولة البيروقراطية، فائز لا محالة ... وبوتفليقة كما “مرشح الضرورة”، لا يحتاج للانخراط في حملات انتخابية، والسبب هذه المرة، يعود لحالته الصحية التي لا تسمح له بمقابلة الجمهور وإلقاء الخطابات وتحمل أعباء الدعاية والترويج ... لا أدري كيف ستسمح له حالته الصحية بإدارة بلد بوزن الجزائر وحجمها وهو في هذا الوضع الصحي ... لقد أخطأ بوتفليقة في قبول إغراء الولاية الجديدة، وكنا نتمنى لو أنه ذهب إلى تقاعد مريح، مختتماً سجلاً حافلاً بالعمل السياسي والدبلوماسي.
الغموض يكتنف الانتخابات البرلمانية العراقية ... هل ستجري في كل العراق، ما هي معدلات الاقتراع وتوزعها على الطوائف والكيانات والمذاهب ... من سيحظى بالأغلبية من بين الـ “277” قائمة وكيانا مشاركا في الانتخابات ... ما هي مصائر التحالفات والائتلافات بين المكونات، وما هي فرص عودة المالكي لسدة الرئاسة ... الانتخابات العراقية، دون غيرها من الانتخابات، تبدو محمّلة بكل المفاجآت والتكهنات، التي يصعب معها الوصول إلى تخمينات واضحة.
انتخابات لبنان، ستكون صورة لـ “ميزان القوى” الجديد، محلياً وإقليمياً، وكذا الحال بالنسبة لانتخابات العراق ... أما الانتخابات المحسومة نتائجها سلفاً في مصر والجزائر، فيصعب الوقوف على دلالات الأرقام والنسب المئوية، اللهم باستثناء معدلات “المقاطعة” في الانتخابات المصرية، حيث تشير كافة الدلائل، إلى أن النظام المصري الجديد، سيعمل ما بوسعه، للوصول إلى نسبة الاقتراع في انتخابات محمد مرسي، إذ ليس المهم أن يحصل السيسي على أصوات أكثر من مرسي، المهم أيضاَ أن يقبل المصريون على الاقتراع، بنسب أعلى كذلك.
في الدول الأربع، ليس من المتوقع ان تكون الانتخابات سبباً إضافياً لمزيد من الاستقرار والتقدم على خطى الإصلاح والتنمية وبناء التوافق الوطني ... لبنان المنقسم من سنوات وعقود سيظل كذلك، والانتخابات الرئاسية لن تزيد عن كونها “استراحة محارب” بين الأفرقاء، ومحطة لاستئناف التشاحن والمواجهات.
أما مصر، فإن انتخابات تجري بمعزل عن الإخوان المسلمين، وبعض أطياف المعارضة، وفي مواجهتهم، ليس متوقعاً لها أن تأتي بالاستقرار والأمن والأمان ... صحيح أن النظام المصري الجديد، سيكون قد سجّل نقطة لصالحه في مرمى خصومه، لكن خصومه لن يرفعوا الراية البيضاء بالسهولة التي يتحدث عن بعض المراقبين، والأرجح أن أزمة مصر، أكبر وأعمق، من أن يجري تجاوزها خلال يومين من الاقتراع.
أما الجزائر، فستعيد انتخاباتها الرئاسية “القديم على قدمه”، وسط تقديرات بأن “الحذر الشعبي الجزائري” من الالتحاق بقاطرة “الربيع العربي” بدا أقل منذ أن قرر بوتفليقة ترشيح نفسه ... والمتوقع أن تظل أسئلة الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي في الجزائر مفتوحة ... فلا أجوبة عليها في الانتخابات المقبلة.
وأخيراً، فإن قيمة الانتخابات العراقية الأساسية ربما تتجلى في التعرف على موازين القوى داخل المكون الشيعي ... أما بالنسبة لسنة العراق عرباً واكراداً، فالصورة تبدو معروفة مسبقاً ... إقبال سني ضعيف على الانتخابات، وسط حديث متزايد عن “لا شرعيتها”، وفي ظل تفاقم مناخات العنف والاقتتال والإرهاب في المحافظات السنيّة ... أما الاكراد، وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات، فإن توجههم ووجهتهم باتت معروفة للقاصي والداني: كردستان سائرة نحو الاستقلال الوطني، وبإجماع أحزابها وقواها السياسية، والمسألة تتعلق بالتوقيت فقط، لا أكثر ولا أقل.
"الدستور"