عريب الرنتاوي
تأسست منظمة “أوبك” في العام 1960، من خمس دول هي الأكثر تصديراً للنفط في حينه، لتلتحق بها بعد ذلك تسع دول أخرى مصدرة، انسحبت منها اثنتان، وبقيت اثنتا عشرة دولة، تتخذ من فيينا مقراً لها ... وفي محاولة لتوسيع صفوفها، فتحت المنظمة قنوات اتصال مع أربع دول إضافية مصدرة للنفط، منها دولتنا عربيتان: السودان وسوريا.
قبل أن تُستكمل إجراءات ضم السودان إلى “أوبك” انفصل جنوبه الغني بالنفط والمُنتج له ... ما عادت السودان دولة مدعوّة للانضمام إلى نادي الأثرياء بالذهب الأسود ... جنوب السودان من المفترض أن يحتل المقعد، بيد أننا غير متأكدين من بقاء الجنوب موحداً، وما إذا كان سينقسم بدوره إلى كيانين أو أكثر، أو أن يصبح رياك مشار، ومن يدعمه من قبائل “النوير”، هو العضو الثالث عشر في “أوبك”، بدل سيلفا كير وقبائل “الدنكة”.
سوريا حكاية مختلفة بعض الشيء، لم تحظ بـ “شرف” الجلوس على مائدة الدول المصدرة للنفط “أوبك” ... والأهم، أن حكومتها ما عادت تسيطر اليوم على حقول النفط والغاز الرئيسة في الحسكة ودير الزور ... هذه المناطق باتت تحت سيطرة “داعش” و”النصرة”، والمنظمتان تستثمران في “انتاج النفط” وتكريره وبيعه وتوزيعه ... ورجال الأعمال الأتراك، النهمين للربح السريع من أي مصدر، ينهالون بطلبات الشراء على شيوخ “داعش” وأمراء “النصرة” ضاربين عرض الحائط حكاية “محاربة الإرهاب”.
وثمة صناعة جديدة، تنشأ على أنقاض البنية التحتية المدمرة لصناعة النفط والغاز السورية ... معامل تكرير على شكل مصافٍ بدائية، تنتشر في تلك الأصقاع، وأساطيل من الشاحانات والناقلات، وأنابيب نفط يجري استصلاحها وتحويل اتجاه سيرها، وأخرى يجري “ثقبها” للاستفادة من “نزيف الذهب الأسود” الخارج منها.
ولأنه الذهب الأسود، الذي جذب الاستعمار القديم والجديد إلى بلادنا، وفجر الكثير من الصراعات والحرب والمواجهات الحدودية، فهو الذهب الأسود الذي يدفع “الأخوة الأعداء” لقتل بعضهم بعض، بالمفرق والجملة ... فحرب داعش والنصرة، تخطت بعدها الإيديولوجي، وباتت ملوثة برائحة الغاز والنفط، فالكل يريد أن يصل إلى المنابع والأنابيب والمصافي، الكل يسعى في تجييش القبائل والسكان ليكون إلى جانبه، على أن يناله شيئاً من “العائدات النفطية”.
ملايين الدولارات التي تجنيها “النصرة” مدعومة بعشائر “البوجامل”، و”داعش” مدعومة بعشائر “البكير”، تذهب لشراء الأسلحة واستقدام “المجاهدين” وسد الفجوات التمويلية، عندما يتعذر على الداعمين إيصال أموال الدعم في الوقت المحدد ... أما “المجتمع الدولي” الذي يخضع صادرات النفط الإيرانية والسورية للعقوبات، فإنه يستثني في المقابل صادرات النفط الخاصة بداعش والنصرة، مع أنه يعرف تفاصيل هذه العملية، حتى لا نقول، يتواطأ معها ويشجع عليها.
اقترح على الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط، أن يمنح الفصيلين مكانة “العضو المراقب” في المنتظم الدولي الأهم للطاقة ... يمكن أن يتم الأمر بالتناوب: شهر للنصرة وآخر لداعش ... وإن كان هناك عائق قانوني يحول دون انضمام المنظمات إلى المنظمة التي تقتصر عضويتها على الدول، فأقترح على الأمين العام أن يحذو حذو الكثير من المنظمات الدولية، التي فتحت طريقاً موازياً لمؤسسات المجتمع المدني لعضوية مجالسها ومؤتمراتها ومنتظماتها الدولية ... وأحسب أن عديدا من العواصم الإقليمية والدولية، سوف تشجع انضمام هذه المنظمات لعضوية “الأوبك”، أقله النصرة، لتحتل مقعد سوريا كما احتل “الائتلاف” مقعد سوريا في الجامعة العربية.
من مزايا الأخذ باقتراحنا هذا، أن وزراء “أوبك” سيكونون بمأمن تماماً في حلهم وترحالهم واجتماعهم ... لن يأخذهم أحداً مثل “كارلوس” على حين غرة، كما حصل لأسلافهم في “فيينا” عام 1975 ... “كارلوس” ورفاقه من المدرسة التي تخرّج منها، ما عادوا يختطفون الوزراء والطائرات ... هناك جيل جديد من الخاطفين، بمرجعية فكرية مختلف، أقرب للنصرة وداعش، لا يكتفون بالخطف الموجه سياسياً أو المتبوع بطلب الفدية، بل يقطعون رؤوس المخطوفين ويصلبونهم، ويحوِّلون الطائرات بركابها، إلى قنابل عملاقة، ينقضون بها على الأهداف “الرخوة” والمتاحة ... سيكون من الصعب على أية “خاطف” أو مغامر، أن يستهدف الوزراء النفطيين، طالما جلس بينهم، وزير عن الدولة الإسلامية في العراق والشام، وآخر ممثل للنصرة.
هي إذن، مفارقات الزمن الرديء ... كنا من قبل نتحدث عن “نفط معتدل” وآخر “مقاوم” ... اليوم نتحدث عن نفط “مجاهد”، تعددت الأسماء والنفط واحد ... كان الله في عون سوريا والسوريين.
"الدستور"