عريب الرنتاوي
عشرة أيام، ويلتئم المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في واحدة من أهم دورات انعقاده، على ما هو مفترض، فما هو المنتظر من اجتماعات كهذه، وإلى أي حد ستُحدث نتائجها ومقرراتها، فرقاً جوهرياً في مسارات العمل الوطني الفلسطيني، وهو يقترب من واحدة من انعطافاته التاريخية، شديدة الأهمية؟
لسنا بحاجة لبيان ختامي، يكتفي بالإشادة بأداء الرئيس والطاقم المفاوض، ويدعم إجراءات السلطة والمنظمة ومواقفها في الأشهر الأخيرة ... لسنا بحاجة لتأكيدات متكررة على أهمية المصالحة ووجوب السير قُدماً لاستعادة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات والإرادة والبرنامج والأدوات ... نحن بحاجة إلى ما هو أبعد هذا وذاك وتلك ... نحن بحاجة لرسم معالم استراتيجية وطنية جديدة، تلحظ تغييراً جوهرياً في قواعد اللعبة والاشتباك مع الاحتلال والاستيطان والعدوان.
المجلس مطالب أولاً، وقبل أي شيء آخر، بالوقوف أمام “نفسه”، بوصفه أعلى مرجعية لمنظمة التحرير بعد المجلس الوطني الفلسطيني الذي يصح فيه الوصف: “كادوك” ... فقد تقادم المجلس، وقضى كثيرٌ من أعضائه بحكم الزمن والسن، فيما بعضهم الآخر، يستحق أن يذهب إلى تقاعد مريح، والأرجح أنه ذهب إلى هذا التقاعد مبكراً، منذ سنوات وعقود طوال، ولم يبق سوى اسمه في كشوف رئاسة المجلس.
المجلس مطالب بإعادة صياغة وهيكلة وتفعيل منظمة التحرير، عبر تحديد مواعيد محددة، لإجراء الانتخابات الجديدة، للمجلس الوطني، ووضع الصيغ الكفيلة باستنهاض منظمة التحرير ... لم يكن مقبولاً من قبل، ولم يعد مقبولاً في زمن الربيع العربي بالذات، أن تطاول عضوية بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأربعين عاما ونيّفا ... نحن أخذنا على الرئيس الجزائري ترشحه لولاية رابعة وهو الذي لم يمض على وجوده في الرئاسة سوى خمسة عشر عاماً ... نحن نأخذ على المالكي تطلعه لولاية ثالثة ... هذا الوضع الاستثنائي الشاذ، يجب أن ينتهي، ويجب أن تتاح لأبناء وبنات الجيل الثالث من النكبة، الذين يشكلون مع الجيل الرابع الفتي، غالبية الشعب الفلسطيني، الفرصة للتمثيل والقيادة.
يجب أن يفسح في المجال أمام حماس والجهاد للالتحاق بركب المنظمة ومؤسساتها وأطرها، لكن إن ظل التعثر والممانعة على حالها، فلا أقل من تفعيل المنظمة (بمن حضر) ... هذا الملف لا يجوز أن يظل عالقاً ... ولا مرتبطاً بحسابات فئوية وفصائلية صغيرة وأنانية.
ونرى أن على المجلس المركزي إعادة تعريف موقع السلطة ودورها ووظيفتها في ظل انسداد عملية التفاوض من جهة، والاعتراف الدولي بفلسطين دولة مراقبة، تحت الاحتلال من جهة ثانية ... وفي ضوء التعريف الجديد، يجب أن يعاد الاعتبار لمؤسسات المنظمة والدولة، بعد أن اختطفت السلطة، موقع الصدارة والأولوية في النظام السياسي الفلسطيني ... هذا الأمر يجب أن يحسم من خلال السعي لبناء توافق وطني حول عناوينه، ويجب أن يحسم في أقرب فرصة، والمجلس المركزي يجب أن يظل في حالة انعقاد حتى يفرغ من حسم هذه المسائل، فلا شيء يعلوها أهمية.
ونرى أن المجلس مطالب بوضع استراتيجية لمواجهة مرحلة ما بعد انهيار المفاوضات ... لم يعد ممكنا القبول بحديث عائم وغائم وفضفاض عن المقاومة الشعبية السلمية .... لم يعد مقبولاً الاستمرار بالتردد في استكمال عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية ... كيف يمكن مواجهة حرب العقوبات الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وقيادته ... كيف يمكن الانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي – التبعي، إلى الاقتصاد المقاوم ... كيف يمكن تعزيز صمود المواطنين على أرضهم ... كيف يمكن رفع المعاناة عن شعب غزة المحاصر والمجوّع ... كيف يمكن بعث روح جديدة في عروق وشرايين الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد سنوات من اليباب والتصحر.
المجلس مطالب بالتحول إلى فرق عمل، تبحث كل منها واحداً أو أكثر من العناوين الاستراتيجية، وأن ينفتح على مختلف الطاقات الفكرية والسياسية الفلسطينية من خارجه ... لكي تأتي حصيلته ونتائج أعماله، بمستوى التحديات التي تجابه الشعب في مختلف أماكن تواجده ... المجلس مطالب بعقد دورة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، ببساطة لأن لحظة انعقاده هذه المرة، تاريخية بامتياز.
نقلا عن جريدة الدستور الاردنيه