عريب الرنتاوي
لا يكاد يمضي يوم واحد، من دون أن تقوم سلطات الاحتلال وقطعان المستوطنين المتطرفين، بتنفيذ اعتداء أو أكثر على المسجد الأقصى، حتى أن أخبار هذه الاعتداءات باتت روتينية، ولم تعد تحظى بما تستحق من التغطيات الإعلامية والصحفية ... أخبار الاشتباكات في «حرستا» السورية، تقدَّم في كثير من الصحف العربية، على أخبار العدوان الواسع الذي شنه المحتلون والمستوطنون، على المسجد، وتسبب في سقوط عشرات الجرحى من الفلسطينيين «المرابطين» في حرمه وردهاته وباحاته الطاهرة.
لكأن إسرائيل، تريد لنا أن نعتاد على أخبار الانتهاكات، حتى إذا جاءت لحظات الانقضاض على المسجد والإطاحة به، كان الرأي العام العربي والإسلامي، مهيأ تماماً لسماع هذا الخبر والاعتياد عليه ... عندها من المنتظر أن ترتقي التغطية الإعلامية إلى مانشيت على ثمانية أو ستة أعمدة وربما على أربعة فقط، إن كان الحدث تزامن مع معركة كبيرة في الرستن أو تلبيسة.
العرب الرسميون، ملّوا من الإدانات والاستنكارات، حتى أنهم ما عادوا يكررونها من جديد ... مجالس الوزراء التي تجتمع برئاسة هذا الزعيم أو ذلك، تكتفي بإدانة ما يفعله نظام الأسد بشعبه، أو الجرائم التي تقارفها «بوكو حرام» ضد المدنيين العزل في أبوجا ... لا أحد يكترث بما يجري في الأقصى، فلكل أولوياته الطاغية على ما كان يُعرف ذات يوم باسم»: قضية العرب المركزية الأولى.
حسناً، لقد ثبت أن كافة وسائلنا في الدفاع عن الأقصى، والتصدي لمحاولات إسرائيل المتكررة الاعتداء عليه (لم تعد محاولات، بل فعل يومي همجي متكرر)، ليست كافية ولا فعّالة ... لم تنفع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية وما تضمنته من نصوص تؤكد «الرعاية الهاشمية للأقصى والمقدسات» في حفظ هذه المقدسات والحيلولة دون تدنيسها ... لم ينفع الاتفاق الأردني – الفلسطيني في فعل ذلك، ولِمَ ينفع طالما أن إسرائيل ليست طرفاً ... ولم تكبح مهمة كيري ولا المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، الاحتلال وقطعانه، عن المضي في سياسات التهويد والتدنيس و»الأسرلة».
أما الدليل على ذلك، فيتجلى على الأرض، وليس على الورق، ورق المعاهدات والاتفاقيات المبرمة ... العدوان بات فعلاً يومياً شائناً ... والجرائم لا تنقطع من تدنيس واعتداء وتغيير معالم وحفريات ومنع صلاة وتطويق وحصار إلى غير ما هنالك من وسائل عجز النازيون عن اجتراح مثيلات لها ... ولقد بات علينا، إن كنّا معنيين حقاً بكسب معركة الأقصى والمقدسات، أن نفكر «خارج الصندوق» وأن نعيد تقييم وتقويم وسائلنا وأدواتنا، بعد أن تأكد للقاصي والداني، أنها سلاح مثلوم.
وحدهم الفتية الذين آووا إلى مسجدهم، يذودون عنه وعن رمزيته الوطنية والقومية والإسلامية، هم الذين ينغّصون على المعتدي فرحته بقطف ثمار عدوانه ... هؤلاء، رجال ونساء، يتصدون بصدورهم العارية، وحجارتهم «المهربة» إلى صحن المسجد، لآلة القمع والهمجية، ويعملون على الإطاحة بأهدافه الوقحة ومراميها الشريرة ... لكل هؤلاء، المجد والاحترام ... سلمت سواعدهم، فهو ينوبون عنّا جميعاً، نحن الذين قررنا الانصراف إلى هموم أخرى، ويوميات مختلفة.
أمس رأيت سيدة ثلاثينية، تتدافع مع عدد من الجنود الصهاينة، الذين يختبئ خلفهم ويحتمي بهم، رهط من المستوطنين الوقحين، ما كان منها وقد أعيتها الحيلة، سوى أن قذفت الجندي بحقيبة يدها، بما فيها ... لقد جعلت منها حجراً ورصاصة، وأطلقتها في وجه الغزاة والمستعمرين ... تحية لتلك السيدة التي لا أعرف اسمها.
على أية حال، هي مسؤوليتنا جميعاً، ابتداء بالسلطة والفصائل والحركة الوطنية الإسلامية، وأهل الضفة الغربية والقدس ... بيد أن أحداً في العالم العربي والإسلامي، لا يحق له أن يدّعي أنه لا يعرف ... أو أنه متخفف من أوزار الخطيئة الأكبر، بترك المسجد نهباً لـ»الأقدام الهمجية» ... وعلى هؤلاء جميعاً أن يستذكروا أن الأقصى جزء من منظومتهم العقيدية ... لا يعفيهم من المسؤولية إن كانوا سنةً أو شيعة، ، ... الأقصى لهم جميعا إن كانوا مسلمين الاولى بالرعاية والخدمة والحرية والخلاص وهم مقتدرون فعلاً، وإن كان ينطبق عليهم بيت الشعر العربي الشهير: أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... هم أسود وفحول على بعضهم البعض، وفي حروب «داعش والغبراء» ... لكننا لم نر أثراً لفحولتهم في الدفاع عن المسجد الأسير.