توقيت القاهرة المحلي 14:42:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرية «التمكين»... تركـيــا نمـوذجـــاً

  مصر اليوم -

نظرية «التمكين» تركـيــا نمـوذجـــاً

بقلم عريب الرنتاوي

تُعطي قرارات المحكمة العليا في تركيا مثالاً على التجليات التطبيقية لنظرية “التمكين”، التي اتبعها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، في صراعه ضد “أعمدة العلمانية” التركية الأربعة: الجيش، القضاء، الرئاسة والإعلام ... فبعد سنوات من حملات “الاجتثاث” لكبار ضباط الجيش تحت عناوين “المؤامرة”، برّأت المحكمة العليا ما يقرب من 300 ضابط وصحفي، من الاتهامات الموجهة إليهم في القضية التي عرفت باسم “ارغينيكون” ... قبلها بعام، أصدرت أحكاماً ضد عدد مماثل من كبار ضباط الجيش، الأمر الذي أسهم، من بين عوامل أخرى، في تهميش الدور السياسي المتضخم الذي اعتاد الجيش التركي على أدائه في السياستين الداخلية والخارجية للبلاد.

في سياق الحرب على أعمدة “العلمانية” التركية، حوّل الحزب الحاكم تركيا إلى “أكبر سجن” للصحفيين في العالم، بشهادة منظمات حقوقية دولية مستقلة عديدة ... القضاء لم يسلم من تغوّل أردوغان وحزبه وحكومته، ودائماً تحت شعارات شتى، ونتذكر جميعاً الاشتباك بين أردوغان والمحكمة الدستورية لمجرد أنها أفرجت عن صحفيين معتقلين بغير حق، يومها هدد “السلطان” بحل المحكمة الدستورية، جزاءً لما فعلت.

عين أردوغان ظلت متسمّرة صوب الرئاسة ... رشح رفيق دربه عبد الله غول لهذا المنصب الشرفي، قبل أن يستنفذ “ولاياته الدستورية” كرئيس للحكومة، ثم أبعده عن الحزب والحكومة قبيل انتهاء ولايته بأيام، ليتولى هو المنصب بنفسه، تاركاً لـ “تابعه” أحمد داود أوغلو رئاسة الحكومة، وهو يسعى اليوم، في نقل صلاحيات الحكومة إلى الرئاسة، ويجهد في تحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، فحيثما يكون الرجل، يجب أن تتجمع السلطات والصلاحيات و”الشرعيات”، والمعركة ما زالت مفتوحة.

عندما فشل أردوغان في الحصول على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة منفرداً في العام الماضي، بفعل بروز حزب الشعوب الديمقراطية (الكردي)، جُنّ جنون “السلطان” الذي بدأ يشهد على “تكسّر” أحلامه وأطماعه السلطانية ... شنّ حرباً شعواء ضد الأكراد، وانتبه بعد سنوات من بدء العملية السياسية مع حزب العمال الديمقراطي الكردستاني “بي كيه كيه”، إلى كونه حزباً إرهابياً، وأنه من طراز “داعش”، إلى أن أغرق جنوب شرق البلاد، في أتون حرب أهلية، لتتحول ديار بكر، إلى ما يشبه مدن الحرب السورية أو العراقية ... كل ذلك، نظير “شدّ العصب القومي” التركي، بعد أن فشلت عملية “شد العصب المذهبي السنّي” في توفير ما يكفي من مقاعد له في البرلمان، تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً وتنظيم استفتاء على تعديل الدستور، أو تعديله مباشرة في البرلمان.

نظرية “التمكين” في الحالة التركية، تلتقي في الجوهر مع نظرية “التمكين” التي انتهجها إخوان مصر في فترة حكمهم القصيرة على أية، بيد أنها تختلف باختلاف السياقين التركي والمصري ... في الحالة التركية، “التمكين” يتمحور حول شخص أردوغان وطموحاته وأحلامه، في الحالة المصرية، كانت الجماعة هي محور النظرية، فالرئيس محمد مرسي، كان بمثابة “رئيس صدفة” وقد صعد من أسفل قوائم الإخوان المرشحين للمنصب ... في الحالتين، كان الصدام مع الجيش نقطة البداية للشروع في تطبيق النظرية ... في تركيا هناك تيار علماني نشط، يستند بالأساس، في مصر، الحالة مختلفة، التيار العلماني، ضعيف ومشتت، تعددت السياقات، لكن نظرية “التمكين” هي ذاتها.

لم تتوقف تداعيات “التمكين” على السياسة الداخلية في كلا البلدين فحسب، السياسة الخارجية بدورها، كانت ساحة لاختبار تطبيقات هذه النظرية ... في مصر، نتذكر المؤتمر الشهير الذي جمع فيه مرسى كافة “شيوخ الصحوات” من إخوان وسلفيين، بمن فيها متهمين بالإرهاب، ليعلن “الجهاد” على النظام السوري ...شيء مماثل، فعله أردوغان، عندما حوّل تركيا، إلى “قاعدة ارتكاز” إقليمية لإخوان المنطقة، و”ممر ترانزيت” لكل الإرهابيين في العالم، صوب سوريا والعراق ...  في الحالتين، العلاقة مع “الحركات الإسلامية” أكثر أهمية من العلاقات مع “الدول الوطنية”، حتى وإن أفضى ذلك، إلى المقامرة بوحدة الأوطان والمجتمعات والشعوب، وتحويلها إلى ملاعب لكل قوى التطرف والغلو في المنطقة، تماماً مثلما حدث مع داعش في تركيا، ومع الجماعات الإرهابية في سيناء.

في الحالتين، المصرية والتركية، أظهر الإسلام السياسي موقفاً “براغماتياً” من إسرائيل، بخلاف كل الشعارات الدعائية السابقة لوصوله إلى سدة السلطة ... في مصر، جدد الإخوان التزامات مصر بكامب ديفيد، وذهب مرسي إلى حد مخاطبة شمعون بيريز بـ “عزيزي” ... أما العلاقات الإسرائيلية – التركية، فهي أوضح من أن يتم إخفاؤها، قبل “مافي مرمرة” وبعدها، ولنتذكر أنه مثلما توسطت حكومة إخوان مصر بين حماس وإسرائيل، للتهدئة المستدامة، توسطت حكومة أردوغان في المفاوضات السرية بين سوريا وإسرائيل، حيث استضافت العديد من الاجتماعات على أرضها، قبل أن تفترق دمشق عن أنقرة في سياقات الأزمة السورية.

مصر قدمت نموذجاً على الصعود السريع للإخوان، واستتباعاً، انهيار تجربة حكمهم السريع كذلك ... بينما في تركيا كان الصعود متدرجاً وعلى مراحل وامتد لسنوات وعهود، لذلك يبدو “الهبوط متدرجاً”، وتركيا اليوم ليس تركيا صعود العدالة والتنمية، بعد أن أصبحت أقرب إلى قائمة “الدول المارقة” لولا نفاق الغرب وحاجته للحليف الأطلسي، الذي يقبع على حدود أوروبا و”الناتو”، وما زال مرشحاً لأدوار قادمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية «التمكين» تركـيــا نمـوذجـــاً نظرية «التمكين» تركـيــا نمـوذجـــاً



GMT 15:16 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 06:13 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

تحوّل استراتيجي

GMT 08:20 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

من هنري كيسنجر إلى آفي بيركوفيتش

GMT 07:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»

GMT 06:44 2019 الخميس ,02 أيار / مايو

واشنطن و «الاخوان»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
  مصر اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ حماس

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon