توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«المذهبية» وظاهرتا «المقاومة» و«الربيع العربي»!

  مصر اليوم -

«المذهبية» وظاهرتا «المقاومة» و«الربيع العربي»

عريب الرنتاوي

سيُسجل تاريخ هذه المنطقة، إن كتب بحروف موضوعية نزيهة، أن حروب الطوائف والمذاهب وصراع الهويات المُقتتلة، قد أطاح بأنبل ظاهرتين عرفهما العرب في نصف القرن الأخير: ظاهرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وظاهرة الثورات والانتفاضات الشعبية التي عرفت باسم “الربيع العربي” واندلعت في سياقاته ... وسوف يقال في خلاصة هذه الفصل، أن انتظارات العرب الطويلة وأشواقهم للحرية والتحرر والعدالة، والاستقلال وتقرير المصير، قد ذهبت بدداً بسبب الحروب المستعرة بين  المذاهب والطوائف.

بعض العرب، نظر إلى “ربيع العرب” ابتداءً، بوصفه تهديداً لا فرصة، ولم يجد ما يستقوي به عليه، سوى في “شد العصب الطائفي والمذهبي” ... هنا كل الأسلحة والأدوات، تبدو مشروعة، بما فيها تقسيم المجتمعات على أسس هوياتية، وترك بعضها يقتتل مع بعضها الآخر، في “لعبة صفرية” تكاد تأكل الأخضر واليابس ... حتى الذين احتفوا بربيع العرب عندما أطاح في بدايته، باثنين من زعماء “التمديد والتجديد والتوريث” في مصر وتونس، عادوا لوصفه بـ “الخريف” وإدراجه في سياقات “نظرية المؤامرة”، عندما ضربت رياحه العاتية دولة “المقاومة والممانعة”: سوريا.

لقد توقف قطار التغيير والإصلاح عند أول محطة مشرقية له، وضل طريقه إلى اليمن وبعض أرجاء جزيرة العرب، وبدأت ارتداداته السلبية تحدث أثراً عكسياً، في عدد من الأقطار السبّاقة والرائدة في مضمار الإصلاح ... ولولا نجاحٍ ما زال مشروطاً في تونس، لقرأنا الفاتحة على روح الربيع، ولقلنا على التغيير في عالمنا العربي، السلام.

ونكتشف اليوم، أن كثيرين ممن التحقوا بركب “الخطاب المدني – الديمقراطي”، من إسلاميين وقوميين ويساريين، لم يجتز إيمانهم بالحرية والديمقراطية، حناجرهم إلى قلوبهم وعقولهم ... بعضهم التحق بركب الإمارات الجهادية، واصطف في معسكر خصوم الحرية والتعددية والديمقراطية، ولأسباب مذهبية محضة ... آخرون، ممن لا يكفون على الهتاف للحرية في بلادهم، ارتضوا دعم الاستبداد في دول أخرى، ولأسباب إيديولوجية سقيمة ... وفي الحالتين، جاء الانقسام المذهبي والإيديولوجي، كاشفاً لسطحية الالتزام بقيم الديمقراطية والحرية، لكأننا أمة لم تتعلم من دروس فشلها وهزائمها، ولا تأخذ العظة من قصص نجاح الآخرين.

“مقاومة الاحتلال”، كانت الضحية الثانية لطوفان الانقسامات والاستقطابات المذهبية والطوائفية ... حركات المقاومة التي اندرجت في معسكر واحدٍ، لطالما تغنت به وبعظمة إنجازاته، وبالطريق الجديد الذي يشقه في فضاء الهزائم والنكسات العربية، تجد نفسها اليوم، في تقابل، بعضها ضد بعضها الآخر، ومن خندقين محتربين، بعضها عاد للاصطفاف في “تحالفات الحرب الباردة” إلى جانب حلفاء واشنطن وأصدقاء إسرائيل الجدد، وبعضها الآخر، انخرط بنجاح مكابر، في حروب وجبهات، بعيدة كل البعد، عن جبهة الصراع الرئيسة، مع العدو القومي الوحيد: إسرائيل.

لم تعد “المقاومة” راية تجمع القوم وتبرر احتشادهم، بعد أن تفرقوا وذهبت ريحهم ... لم يعد للمقاومين، الألق و”القدسية” التي أحاطت بهم لدى الرأي العام العربي، زمن التحرير في 2000 والانتصار في تموز 2006 وحروب غزة المتعاقبة في العقد الأخير ... والمؤسف أن التشهير المتبادل بين فصائل مقاومة، يفوق في حدته أشد حملات التشهير و”الشيطنة” التي تعرضت لها هذه الفصائل من خارج محورها و”ثقافتها” وخندقها ... فنجد “المقاوم السني” أشد ضراوة في الانقضاض على “المقاوم الشيعي”، ونجد الأخير، محمّلا بالشكوك والاتهامات لحلفاء الأمس.

لنكتشف بعد حين، أن “المقاومة”، بل ومفهوم “الوطن” و”تقرير المصير” و”الاستقلال”، ليست مفاهيم “قارّة” في خطاب هؤلاء وتفكيرهم ... وأنها ليست سوى موجة، انطلقت متأخرة بعض الشيء، وقد تتبدد مبكرة بعض الشيء ... فـ “الأمة” وليس “الوطن” هو المحرك الأول لسلوك هؤلاء وممارساتهم ... و”الأمة” هنا، تتقرر حدودها وفقاً لخطوط المذاهب، وهذه الأخيرة في حالة تشظي مستمر، فلا السنة كتلة أو مذهب واحد، ولا الشيعة كذلك.

لنجد أن حركة مقاومة فلسطينية، تضبط خطواتها على إيقاع “الأمة” وأولوياتها، التي تتقرر في مكتب الإرشاد العالمي، وأن حركة مقاومة لبنانية، تفاخر باندراجها في استراتيجية “الفقيه الولي” ... ومن يقبل بهذه أو تلك، يمنع عن نفسه، فرصة التحول إلى “حاضنة وطنية وقومية جامعة”، مقدماً “الجهاد العالمي” على النضال التحرري في سبيل الحرية والاستقلال وإنجاز برنامج التحرر الوطني وتقرير المصير .... ويفقد بذلك، حواضنه الأخرى غير المذهبية الضيقة، ليصبح شيئاً فشيئاً جزءا من المشكلة، بدل أن يكون معقد الأمل وموطن الرجاء.

كلا المشروعين، التحرري القومي والتحرري الديمقراطي، أصيبا بمقتل في الصميم، بفعل الريح الصفراء التي تهب على المنطقة من “المذهبية” و”الطائفية” ... ولن يكون بمقدور المقاومين ولا مناضلي الحرية، أن يتذرعوا بأنهم ضحايا مؤامرة دبرت بليل بهيم في هذه العاصمة العربية أو تلك العاصمة الإقليمية، مع أن المؤامرة موجودة والمتآمرين كثر ... لقد ارتضوا أن يكونوا جزءاً من “ماكينة” تفريخ الطائفية والمذهبية، واستحقوا ما لحق بهم... والأمة من قبل ومن بعد، هي الخاسر الأكبر، إن لم نقل الخاسر الوحيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المذهبية» وظاهرتا «المقاومة» و«الربيع العربي» «المذهبية» وظاهرتا «المقاومة» و«الربيع العربي»



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon