عريب الرنتاوي
لن تهبط كلمات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديثه إلى توماس فريدمان (نيويورك تايمز) بالأمس، برداً وسلاماً على أصدقاء واشنطن من “المعتدلين” العرب ... ففي حمأة التجييش ضد إيران وحلفائها، جاء من يقول لهم أن “داعش” هي التهديد الأكبر، وأن تعاوناً مع إيران في الحرب على الإرهاب، يبدو أمراً مرغوباً وأن واشنطن تشجع عليه.
في حمأة “التهويل” من الأخطار الخارجية المترتبة على “التوسع الإيراني الزاحف”، جاء من يقول لهم أن التهديدات الأهم لهذه الدول تأتيها من داخلها، من حالة عدم الرضا والاستياء التي تسود شعوبها، شعوب مهمشة وشباب عاطل عن العمل وإيديولوجيا مدمرة لا تعترف بالدولة”.
نحن نعرف الآن، ما الذي سيقوله الرئيس الأمريكي لقادة دول الخليج الست في كامب ديفيد الصيف المقبل ... لا تنتظروا من واشنطن أن تقوم بأدواركم بدلاً منكم... ترغبون في محاربة الأسد، اذهبوا وحاربوه ... تواجهون أخطاراً خارجية، سنساعدكم لبناء قدرات دفاعية تمكنكم من القيام بدور أكبر في معالجة النزاعات الإقليمية ... تحتاجون لتطمينات في مواجهة الأخطار الخارجية سنوفرها لكم، عل وعسى أن يفضي ذلك إلى “تبديد مخاوفكم ودفعكم للتفكير في حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين”... زمن القيام بحروب وصولات وجولات نيابة عنكم، قد ولّى من دون رجعة.
الأهم، أن سيد البيت الأبيض، سيبلغ ضيوفه، بأن “تهديدات الداخل” هي أشد خطورة على أمن هذه الدول واستقرارها من “تهديدات الخارج” ... هنا تستطيع واشنطن أن تقدم النصح والمشورة، بيد أنها لا تستطيع أن توفر الحماية لنظام من خصومه في الداخل ... على هذه الدول أن تشرّع أبوابها للمشاركة الفاعلة، وأن توفر لشبابها بديلاً آخر عن “داعش” هكذا قال زعيم الدولة الأكبر.
إذن، الأولوية الأمريكية ما زالت للحرب على “داعش” على الرغم من الدعم “اللوجستي – الاستخباري” للحرب على اليمن .... العلاقة بين “الاعتدال العربي” وإيران، يجب أن تتخطى الهواجس والمخاوف، إلى الحوار والتعاون في مواجهة عدو مشترك، أو تهديد مشترك .... الإصلاح السياسي وتفتيح أفق المشاركة شرط للانتصار في الحرب على الإرهاب... تبديد الاحتقان والاستقطاب المذهبي والشروع في حوار إقليمي حول الأمن والتعاون.
من يريد في زمن “عاصفة الحزم” أن يصغي لهذا الكلام؟ ... لكأن زعيم الدولة الأعظم، لا يكفيه أنه وجه طعنة نجلاء لحلفائه وأصدقائه، بفتح حوار “من وراء ظهورهم” مع إيران وتوقيع اتفاق “تاريخي” معها، حتى يشرع اليوم في توجيه النصح وممارسة الضغوط، لدفع “المعتدلين” من “محور العرب السنّة” للانخراط في حوار مع “جارتهم اللدودة” .... لا يكفي واشنطن أنها تمارس ضغوطاً لتقطيع “الحبال السرّية” بين بعض هذه الأنظمة من جهة ومدارس “السلفية الجهادية” من جهة ثانية، بل هي تعيد إلى الواجهة أجندة الإصلاح السياسي التي جاءت بها رياح “الربيع العربي”، والتي ظنت عواصم الاعتدال العربي، بأن صفحتها قد طويت مرة وإلى الأبد.
من سيكون متحمساً للقاء أوباما في كامب ديفيد؟ ... في ظني أن أحداً لا يريد أن يقطع آلاف الكيلومترات من أجل الاستماع لمحاضرة حول أهمية الإصلاح السياسي و”الملكية الدستورية” والمشاركة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون ... لا أحد لديه الاستعداد لتجشم عناء السفر للاستماع إلى محاضرة عن مزايا التعاون مع إيران في الحرب على “داعش” ... أوباما رسم الفواصل والتخوم بين سياسة واشنطن وسياسات حلفائها في المنطقة... ومن الصعب بعد الآن، القول واشنطن والعواصم الحليفة تقرأ من صفحة واحدة... أوباما رسم معالم “عقيدته” تاركاً “عقدة” في صفوف حلفاء واشنطن وأصدقائه.
كيف سينعكس ذلك على أزمات المنطقة المفتوحة على شتى الاحتمالات؟ ... من المرجح أن يتنامى الميل للحديث عن “القوة العربية المشتركة” وعن “القيادة العربية للحرب على الإرهاب” أو “الصحوة العربية في مواجهة إيران” ... بل وقد نستمع إلى خطابات ذات طابع “جيفاري” في توصيف العلاقة مع “الإمبريالية العالمية” ... لكن في حقيقة الحال، لقد رسمت واشنطن سقفاً أعلى لما يمكن أن يذهب إليه الحلفاء ... أبقت لهم “الخيط ممدوداً قليلاً”، وإن كانت قد أبقت طرفه الأخر في يدها.
بعض العرب، لا بد سيسعدون بحديث الرئيس الأمريكي ... أو بالأحرى، سيعبرون عن ضيقٍ أقل بمضامينه: الأردن، مصر، المغرب، تونس والجزائر وآخرون وإن بتفاوت، من بين هذه الدول ... هنا لا رغبة في تصعيد الخطاب والاستقطاب المذهبيين ... هنا الأولوية للحرب على الإرهاب لا على إيران ... هنا مقاربات خجولة، ولكنها قائمة صوب طهران وبعض أصدقائها في المنطقة ... هنا اضطرار لمجاراة الحليف السعودي – الخليجي و”مجاملته” في حرب لم يخرج أحدٌ علينا ليقول: “إنها حربنا” ... ولولا تذكير أوباما بقضية الإصلاح السياسي، لتطابق خطابه مع خطاب هذه العواصم.