توقيت القاهرة المحلي 08:51:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المعارضة السورية بين مؤتمرين

  مصر اليوم -

المعارضة السورية بين مؤتمرين

عريب الرنتاوي

بدا الجو مختلفاً تماماً هذه المرة ... معارضون سوريون من معظم مدارس المعارضة واتجاهاتها، التقيناهم في بيروت، بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف العام من لقائناالأول بهم على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، حتى أن من بينهم من شارك بشخصه في اللقاءين المذكورين ... المواقف تغيرات، والتحالفات تبدلت، والأوهام تبددت، وسقوف التوقعات انخفضت والروح المعنوية لم تعد كما كانت.
في ذاك اللقاء، في تشرين الثاني من العام 2011، كان من الصعب تماماً إدارة حوار بين المعارضين أنفسهم ... جميع من جاء إلى الاجتماع، امتطى صهوة جواده وأشهر سيفه في وجه الجميع ... كان الحديث عن “التدخل العسكري الدولي” في أوّجه، حتى أن أحدهم من قادة المجلس الوطني السوري (قبل أن ينشأ الائتلاف)، سخر من فكرة “توحيد المعارضة”، إذ ما الحاجة لهذه الوحدة طالما أن “الناتو” هو من سيحسم الأمر، والمجلس الوطني هو الممثل الشرعي الوحيد الذي سيسارع للانتقال من منفاه التركي إلى دمشق لحكم سوريا ... هكذا قيل حرفياً.
في ذاك اللقاء، كانت قرقعة السيوف وأزيز الرصاص يصمان الآذان ... الأسد سيرحل شاء أم أبى، وبنادق الجيش السوري الحر ستكون له بالمرصاد ... والحديث عن “الحل السياسي” ضرب من ضروب “الخيانة الوطنية” ... وكل محاولة لذكر “السلفية الجهادية” بأسمائها ومسمياتها، كانت تلقى سخطاً واتهاماً شديدي اللهجة، فما يُقال ويُشاع كذب وافتراء، وضرب من الترويج لدعاية النظام وأكاذيبه، وكل حديث عن “فتنة مذهبية” ليس سوى إساءة للشعب السوري وثورته أو ضرب من الهراء، فسوريا عصية على السلفية وأبوابها موصدة بإحكام في وجه الفتن والانقسامات المذهبية، وكل من يقول بخلاف ذلك إما جاهل أو مغرض أو “شبيح”.
في ذاك اللقاء، كان الحديث عن “الرعاة الإقليميين والدوليين” لهذا الفريق من المعارضة أو ذاك، مدعاة للفخر وسبب للإحساس بالأهمية والتفوق ... وكانت كثرة كاثرة من المتحدثين، تُكثر من أسماء الوزراء والسفراء والموفدين الذين التقاهم المتحدث أو اتصل بهم أو هاتفوه على عجل ... يومها كان لـ “أصدقاء سوريا” بريقاً يخطف الأنظار ويخلب الألباب ... يومها كان النشطاء وحلفاؤهم، منهمكين في “عدّ الأيام الأخيرة” لبشار الأسد في السلطة أو على قيد الحياة ... يومها تبارى المتبارون في تفسير معنى الرحيل، فالأسد يجب أن يرحل هو ورموزه وأدواته، ونظام الاستبداد يجب أن يتفكك بأجهزته ومؤسساته ولا بأس من العمل بنظرية “الاجتثاث” الشهيرة ... ومن كان يتلعثم من المتحدثين في توضيح معنى “الرحيل” أو “الترحيل”، كان يجابه بفيض من الأسئلة والاستنكارات والإدانات والاتهامات.
في ذاك اللقاء، كان من الصعب إقناع “ثوريي الخارج” بأن ثمة في الداخل معارضة وطنية مستقلة، كل من يأتي من الداخل هو امتداد للنظام او أداة من أدواته، وفي أحسن الحالات، مهادن ومتعاون ومتواطئ ... حتى أننا لم نجرؤ على دعوة أطياف من معارضة الداخل، خارج إطار هيئة التنسيق، وإلا قامرنا بمقاطعة معارضة الخارج أو انسحابها من المؤتمر.
في لقاء اليوم، اختلفت الصورة تماماً، فلا أحد لديه ثقة بـ “المجتمع الدولي”، والشتائم والاتهامات لأصدقاء سوريا جميعهم أو جُلّهم لم تتوقف ... و”التدخل العسكري الخارجي” بات وراء ظهور الجميع، حتى أن كلمة “الناتو” لم تذكر مرة واحدة على مدى يومي ورشة العمل... والحسم العسكري بات مستحيلاً، حتى إن إجماع المشاركين تحقق حول استبعاد هذا السيناريو تماماً ... الجيش الحر لا يُذكر إلا بتحفظ، مسبوقاً أو متبوعاً بعبارات من نوع “بقايا الجيش الحر” أو “من تبقى منه”، وبعض الكتائب المسلحة من المعارضة المعتدلة، إلى غير من هنالك.
أما “السلفية الجهادية” و”الفتنة” فقد بات الحديث عنهما يتصدر مداخلات الجميع من دون استثناء، وسط إقرار بأن “داعش” و”النصرة” وأخواتهما باتت تتصدر مشهد العمل العسكري ضد النظام، وسط تآكل دور الجيش الحر وتلاشي حضوره، ووسط توافق نادر على أولوية قطع الطريق على “الفتن المذهبية والقومية”، بعد أن ظهر للأصدقاء أن مجتمعهم كبقية المجتمعات العربية، ليس محصناً في مواجهتها.
لا “طووايس” بعد اليوم في صفوف المعارضة، الجميع يتملكه شعور بالإنهاك والإعياء ... وثمة إجماع على انفصال المعارضات السياسية عن تلك المسلحة والممسكة بالأرض، وعن الحراك الشعبي والشبابي، وثمة إقرار بوصول الجميع إلى جدار مسدود ... لا أحد يتحدث عن رحيل الأسد أو ترحيل نظامه ... لا أحد يتحدث عن تفكيك النظام، بل الغالبية تتحدث عن حفظ المؤسسات وصون الأجهزة من الانهيار ... لا أحد يهتاج حين يخرج متحدث باقتراح “التفاوض مع النظام” أو المصالحة معه ... لا أحد تقريباً ظل عالقاً على قمة شجرة الأوهام والرهانات التي حدود لها.
لا “فيتو” من أحد على أحد، باستثناء ما يمكن إدراجه في عداد “الملاحظات الشخصية” ... حتى أننا تجرأنا في اللقاء الأخير، على دعوة أحزاب مرخصة ومحسوبة على النظام، من دون أن يعترض أحد، بل ومن دون أن يرى أحدٌ أن الأمر نافلٌ ... الجميع ينشد خلاصاً بعد الإحساس العميق بعمق المأزق وفداحة الخذلان.
وحده “الجناح الكردي” حافظ على عنفوانه، بل وارتفع لديه منسوب الثقة بالنفس والمستقبل كما لم يكن من قبل ... فالأكراد ما بعد كوباني/ عين العرب ليسوا كما كانوا قبلها ... يتصرفون من موقع “المنتصر” ومن بمقدوره أن يملي مطالبه حتى لا نقول شروطه على الآخرين ... وفي المقابل، بدا أن زوايا حادة عديدة في “الموقف القومي المتشدد” من القضية الكردية، قد “تدوّرت” وباتت أكثر قابلية للهضم والاستيعاب ... سوريا تغيرت في السنوات الأربع الماضية، سوريا تغيرت كثيراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعارضة السورية بين مؤتمرين المعارضة السورية بين مؤتمرين



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon