توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اليرموك... هنا يرقد المخيم الشهيد

  مصر اليوم -

اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد

عريب الرنتاوي

الفلسطينيون لا يتعلمون من أخطائهم، حتى حين تكون كلفة هذه الأخطاء باهظة للغاية ... مخيم اليرموك، يدفع اليوم الأثمان الدامية لإخفاق قيادات الفصائل في استيعاب دروس الماضي القريب والبعيد ... يكررون المآسي ذاتها، وبذات الدرجة من الحماسة، ومن دون أن يرفّ لأي منهم جفن أو يبارحه النعاس.

فشلت سياسة “النأي بالنفس”، لأنها لم تجد حواضن لها ... لأنها لم تجد من يسهر عليها ويجعل منها موضوع إجماع أو توافق وطني فلسطيني عريض ... منذ البدء، كان هناك من امتشق السلاح للقتال إلى جانب النظام، ساخراً من دعوات “النأي بالنفس” مُستصغراً لها وللمنادين بها، أمام معركة الحياة والموت التي يخوضها محور “المقاومة والممانعة”(؟!).

ومنذ البدء أيضاً، أو على مقربة منه، كان هناك من يتمنطق بالأحزمة الناسفة ويحفر الخنادق ويتسلح من الرأس حتى أخمص القدمين، انتصارا “لخيار الشعب السوري” ودعماً لمعارضاته المختلفة، بمن فيها تلك الأصولية المتشددة، التي انقلبت عليه وعلى المخيم وأذاقت أهله كأس المرارة والعذاب.

فصائل محسوبة على النظام، هكذا كان دأبها تاريخياً، بل ولعله مبرر وجودها وديمومتها ... وأخرى، محسوبة على “العمل الإسلامي” الفلسطيني، الذي انضم إلى جوقة أنقرة – قطر في عد الأيام الأخيرة للنظام، وحرق سفنه مع دمشق، قبل أن يقرر حرق المخيم انتصاراً لخياراته السياسية، فإذا بالنتيجة، وبالاً على الشعب الفلسطيني، ونكبة رابعة تهون معها نكبة الفلسطينيين في الكويت، الذي دفعوا غالياً ثمن الانحيازات الفلسطينية في حروب المحاور والمعسكرات العربية المتناحرة.

لم يبق من مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، الشيء الكثير ... أكثر من 90 بالمائة من سكانه هاموا على وجوههم في شتى أصقاع الأرض، توزعوا على مخيمات لبنان وسوريا، وبعضهم انتقل إلى معازل آمنة على الحدود مع الأردن، وكثرة منهم يممت وجوهها شطر العواصم البعيدة في الشرق والغرب ... ألوف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمفقودين والمعتقلين، أسر تفككت وعائلات تهيم على غير هدى.

أكثر من 170 ألف فلسطيني لم يبق منهم سوى أقل بكثير من عشرين ألفاً، يجري العمل على إخراجهم زرافات ووحدانا، تحت جنح ليل بهيم عبر مسالك وممرات غير آمنة إما باتجاه الزاهرة أو بيت سحم ... المخيم الذي تحوّل إلى كومة خرائب، يعيش منذ أسبوع أو اقل قليلاً، النزع الأخير لافظاً آخر أنفاسه.

داعش” تجتاح المخيم، وتعيث فيه قتلاً وتقطيعاً للرؤوس وتفخيخا، بتواطؤ مع “النصرة” ... أما “أكناف بيت المقدس” المنبثقة من رحم حماس، فهي تقطف اليوم، ثمن المواقف المقامرة التي صدرت عن الحركة الأم بالأمس ... خياراتها محدودة، من بيعة للبغدادي إلى لجوء إلى أحمد جبريل ... أما السلطة والمنظمة فهي تتحرك في أحسن حالاتها، كمنظمة إغاثة، تجلي المنكوبين وتقدم صناديق الغذاء والماء والدواء.

بالكاد بتنا نتعرف على المخيم المنكوب من الصور المبثوثة منه وعنه، نحن الذين عرفناه حجراً حجراً وزقاقاً زقاقا، وأقمنا بين جنباته ردحاً من الوقت، أكلنا وشربنا وتظاهرنا وشيّعنا الشهداء وألقينا المحاضرات ... المخيم الشهيد، ينضم إلى قائمة طويلة من المخيمات المنكوبة، من تل الزعتر إلى نهر البارد مروراً بصبرا وشاتيلا... هذه المرة، تبدو الأكثر فداحة ودموية ومأساوية.

يزداد الطين بلّة، حين نستذكر أن مأساة اليرموك لم تكن قدراً لا راد له، كما هو الحال في المخيمات الأخرى المنكوبة ... هذه المرة، النكبة هي صنع أيدينا إلى حد كبير ... الذين انحازوا للنظام وأشهروا سيوفهم معهم مسؤولون عن النكبة ... والذين انحازوا للمعارضة وأشهروا سيوفهم معها، مسؤولون عن النكبة ... والذين اقتصر دورهم على “رفع العتب” ومهام الوساطة المتباعدة والمساعي الحميدة لرأب الصدع، مسؤولون عن النكبة... دم المخيم وأبنائه وبناته في أعناق هؤلاء جميعاً ...
فاليرموك استحق منذ أشهر بل وسنوات، غرفة عمليات وحالة طوارئ وخلية أزمة ... اليرموك كان بحاجة لحراك سياسي ودبلوماسي مستدام وموحد وعلى أرفع مستوى، لا إلى وفود نختلف عن رئاستها، وموفدين يتنافسون حول أي منهم حظي باستقبال أكثر رفعة في دمشق؟! ... لكن الذين امتهنوا الانقسام على كل شيء، ما كان لهم أن يتوحدوا خلف المخيم ومن أجله ... من قال إن هؤلاء يكترثون؟ ... من قال إن محنة المخيم قد مسّتهم بسوء أو غيرت جداول أعمالهم ومواعيد وجباتهم؟!.

المخيم الشهيد، يلفظ أنفاسه الأخيرة ... جاءه من لا يرحم ولم تعرف الإنسانية يوماً طريقها إلى عقله وقلبه وضميره ... المخيم الشهيد بات في قبضة داعش، ليس مهماً بنسبة 90 بالمائة أو 70 بالمائة حيث يدور الخلاف حالياً ... أما تحريره من الغرباء الذين لا يشربون القهوة، فسوف يفضي إلى الإجهاز على ما تبقى فيه من حجر، أما البشر فقد انضموا إلى القوائم الطويلة التي اشتهر بها الفلسطينيون: قوائم الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين ... هنا يرقد مخيم اليرموك، رحم الله المخيم وأبناءه وبناته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon