توقيت القاهرة المحلي 07:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين «داعشين»

  مصر اليوم -

بين «داعشين»

عريب الرنتاوي

النشأة العراقية لـ«داعش»، امتداداً لظاهرة الزرقاوي، لم تمنع التنظيم الجهادي من أن يتحول إلى لاعب رئيس على الساحة السورية، وفي غضون فترة زمنية قياسية، حتى بات يسيطر على محافظة بشكل كامل (الرقة) وعلى محافظتين بشكل واسع (دير الزور والحسكة)، ويتمدد في أرياف حلب وإدلب وله من «الخلايا النائمة» و»اليقظة» في أماكن سورية عدة، وقد ألحقهما مؤخراً بأربع محافظات (وكسور عشرية) من المحافظات العراقية.
المعارضة، ومن خلفها رهط واسع من الحلفاء والأصدقاء، فبركوا أكذوبة أن «داعش» صنيعة نظام الأسد، وأنهما وجهان لعملة واحدة، ولقد استمعت مؤخراً من مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية لكلام بهذا المعنى، وهي فرضية تدحضها وقائع التاريخ والجغرافيا الخاصين بـ «داعش»، ولا يصدقها طالب مبتدئ في العلوم الإنسانية، مع أننا لا ننكر أبداً، بل ونرجح، فرضية «النفع والاستخدام المتبادل» التي قد تكون حكمت علاقة النظام بـ «داعش»، مثلما حكمت دول كبيرة وصغيرة، من بينها الولايات المتحدة، بالقاعدة على اختلاف مسمياتها وفي مراحل مختلفة من عمرها، ولعل تجربة الجهاد الأفغاني أوضح مثال على ذلك.
لا شك أن النظام السوري نجح في استخدام «فزّاعة» داعش، التي لم تعد فزاعة على أية حال، وباتت بعد سيطرتها على أكثر من نصف مساحة العراق، الدولة 23، غير العضو في الجامعة العربية، لكن شتان بين «الاستخدام والتوظيف» من جهة، وبين أن يكون النظام قد خلق «داعش» ومولها وسلحها وأطلقها تعيث فساداً وتقتيلاً على الساحة السورية من جهة ثانية ... إذ بهذا المعيار، يحق لنا أن نتهم الولايات المتحدة هي من خلق القاعدة وأنشأها أول مرة، بالتعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط الكبير، زمن الحرب الباردة ... يومها تخطت علاقات واشنطن بالقاعدة علاقات الأسد بـ «داعش»، يومها سمحت واشنطن بتمليك القاعدة صواريخ «ستينجر» المضادة للطائرات، والتي لم تكن قد خرجت بعد من دوائر «الناتو» ... الأسد لم يفعل ذلك مع «داعش»، وعلاقاته بهذا التنظيم الأصولي، لم تصل إلى مستوى علاقات التسليح والتجنيد والتدريب والتمويل والنقل، التي ربطت السي آي إيه والأجهزة الحليفة لها بالمنطقة، بالقاعدة من قبل.
ونزداد حيرة على حيرة في فهم التوجه الأمريكي حيال داعش وأزمتي العراق وسوريا ... ففي سوريا مثلاً، تزداد واشنطن قناعة بضرورة تسليح المعارضة «المعتدلة» وتجهيزها بالأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة على حد تعبير سوزان رايس، كلما تواترت التقارير عن تنامي دور «داعش» ... لكأن واشنطن وحلفاءها، يريدون تكثيف ضرباتهم للنظام السوري، كلما ازداد خطر «داعش».
مع أننا نرى شيئاً مختلفاً تماماً يجري أمام ناظرينا في العراق، حيث تبدو الولايات المتحدة في أعلى درجات الاستنفار والتأهب دفاعاً عن المالكي (حليف الأسد وطهران) في مواجهة «داعش» ... وهي تقرر تسريع تقديم السلاح والعتاد للجيش العراقي لضرب الإرهاب ... وثمة تكهنات باحتمال استخدام سلاح الجو الأمريكي والطائرات من دون طيّار، ضد داعش في العراق ... وهناك معلومات لم يتضح مدى دقتها بعد، تتحدث عن ضوء أخضر أمريكي للمالكي بطلب العون من إيران لمساعدته في التصدي لدولة داعش الإسلامية في العراق والشام.
هي فوضى السياسة، إذ تضرب عميقاً في واشنطن، وتهز صدقية البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس ولانغلي: تحالف مع عدو «داعش» العراقي يبلغ ضفافاً غير مسبوقة، وخصومة مع عدو «داعش» السوري، تصل ضفافاً غير مسبوقة كذلك، لكأن «داعش» العراق تختلف عن «داعش» سوريا، أو لكأن الأسد والمالكي ليسا ركنين أساسيين في «المحور/ الهلال» ذاته.
ثم، لا أدري إن كان في واشنطن، أو من بين المعارضة السورية، من لا يزال يعتقد جدياً بأن «داعش» هي صنيعة نظام الأسد (هناك في العراق من يعتقد أنها صنيعة المالكي كذلك) ... سيما بعد أن باح الناطق باسمها (العدناني) عن مكنونات التنظيم، وقرر خوض معركة «تسوية الحساب» مع المالكي، لا في الموصل وبغداد فحسب، بل في «كربلاء المنجسة» و»النجف الأشرك» ... لا أدري إن كان هناك من لا يزال يعتقد أن الأسد هو من خلق هذا الوحش الذي يتهدد بابتلاع حلفائها وإسقاطهم تباعاً.
ثمة من يعتقد أن تسونامي داعش في العراق، قد هزّ منظومة الاعتقادات/ الادعاءات الأمريكية، وأن واشنطن ستجد نفسها مرغمة على مراجعة مواقفها وحساباتها وسياساتها، بما في ذلك قرارها الأخير، تسليح وتدريب «معارضة معتدلة»، فإذا كان الجيش العراقي عاجزاً بعديده «المليوني» وبكلفة فاقت الأربعين مليار دولار من السلاح، عن منع سقوط أسلحته المتطورة في «الأيدي الخطأ»، فكيف سيكون بمقدور مجاميع وجماعات مسلحة مبعثرة ومنقسمة وغير منظمة، أن تحول دون وصول الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى «الأيدي الخطأ»ذاتها ... يبدو أن الحدث العراقي، قد بدد نصائح السفير السابق روبرت فورد لإدارته وتوصياته لها بتقديم السلاح الكاسر للتوازن إلى معارضة معتدلة، حتى قبل أن يجف حبرها أو يتبدد أثيرها.
معايير واشنطن المزدوجة، كانت موضع انتقاد لاذع، يصل حد الشماتة، من موسكو ووزير خارجيتها، وهي انتقادات محقة، وكانت لتصبح ذات صدقية أعلى لو أنها صدرت عن جهة لم تتورط بدورها في لعبة «الكيل بمكيالين» ومطب «المعايير المزدوجة»... هي السياسة، لا أخلاق لها ولا دين، ولا ثابت فيها إلا المصالح المتغيرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين «داعشين» بين «داعشين»



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon