توقيت القاهرة المحلي 01:37:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تركيا والأكراد... تجربة في تصدير الفشل

  مصر اليوم -

تركيا والأكراد تجربة في تصدير الفشل

عريب الرنتاوي

خلال «عشرية الازدهار» الأولى لحكم «العدالة والتنمية» بدا أن تركيا تتجه لمعالجات مختلفة لـ «المسألة الكردية»، فتحت قنوات الحوار المباشر بين الحكومة والسجين الأشهر في جزيرة «إيمرلي»، عبد الله أوجلان، وجرى التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، انسحبت بموجبه قوات الـ «PKK» إلى جبال قنديل، وتم الاعتراف للأكراد بحقهم في استخدام لغتهم الأصلية والتداول بها، توطئة لحل نهائي لهذه المسألة، التي أودت بحياة عشرات ألوف الكرد والترك، من مدنيين وعسكريين، وألحقت خسائر جسيمة باقتصاد البلاد، وظلت تلقي بظلالها الكئيبة والكثيفة على مسار التحول الديمقراطي في تركيا. جاء ذلك متزامناً، مع طفرة اقتصادية وصفت بـ»المعجزة»، وتقدم في مسار تخفيف قبضة «العسكر» على الحياة السياسية والمدنية في البلاد، وانفتاح غير مسبوق في السياسة الخارجية، جرى تحت مظلة النظرية الأشهر: «صفر مشاكل»، وإلى الحد الذي بدا معه، أن «القوة الناعمة» و»قوة النموذج»، قد نجحا في تحويل تركيا إلى محج لمن يبحث عن الكيفية التي عالج بها الحزب الحاكم، ثنائيات العلاقة بين «الدين والدولة» و»الإسلام والعلمانية» و»الإسلام والديمقراطية». لكن مياهاً غزيرة جرت في أنهار تركيا وتحت جسورها، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، عندما تفجرت الأحلام السلطانية المكبوتة، بتوسيع دور تركيا القيادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بوابة التحالف مع الحركات الإسلامية على اختلافها، وبخاصة الإخوان المسلمين، وعندما تفشت «المذهبية» في خطاب الحكومة والدولة، وعندما انقلبت «القوة الناعمة» إلى «قوة خشنة»، تتدخل في نزاعات المنطقة وشؤونها الداخلية، بطريقة استفزازية، تدعو لإسقاط هذا النظام وتجرم ذاك، بل ولا تتورع عن دعم جماعات إرهابية متطرفة، وفي مقدمتها «داعش» بالمال وتجارة النفط والآثار وسرقة المصانع السورية، وغيره كثير من المجاميع والجماعات الأصولية المتشددة في شمال سوريا... وبصورة ستنقلب معها نظرية «صفر مشاكل» إلى نقيضها، وتصبح مادة للتندر والفكاهة: «صفر أصدقاء». ولأن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية، لأنها تصدر عن «الفئة الحاكمة ذاتها»، فقد كان طبيعياً أن «يًترجم» الفشل في حقل السياسة الخارجية، إلى فشل مماثل في السياسة الداخلية، حيث بدأت تركيا تستقبل تداعيات «عدم الاستقرار» في المنطقة، وتحديداً في سوريا، وأخذ الخطاب المذهبي الذي أُريد به، حشد التأييد للحزب الحاكم في الخارج، يتحول إلى معول لتهديم النسيج الاجتماعي في الداخل، وبما سيفضي إلى نشؤ «مسألة علوية» إلى جانب «المسألة الكردية»، التي ارتدّت إلى «المربع الأول»، مربع الحرب و»الحسم العسكري» والمعارك المفتوحة في جنوب شرق البلاد. وبدل أن تسهم تركيا في تصدير تجربة «النجاح النسبي» في التعامل مع أكراد تركيا في «عقد الازدهار»، رأينا أنقرة تتحرك بقوة وفاعلية، لتصدير تجربة «الفشل المؤكد» في التعامل مع هذه المسألة الكردية، كما تجلى في السنة الأخيرة على وجه الخصوص ... هنا، وهنا بالذات، يأتي «التشدد» التركي، البالغ حد التعنت والتلويح بالحرب، في التعامل مع «المسألة الكردية في سوريا»... تركيا لم تدرج أكرادها، أو قواهم الرئيسة على لائحة الإرهاب فحسب، بل وسعت دائرة الحظر و»الشيطنة» لتشمل أكراد سوريا، أو قواهم الرئيسة على أقل تقدير. تركيا لم تكتف بموقف المتفرج على «مذبحة كوباني» فحسب، بل عملت ما بوسعها لإطالة أمد إقامة «داعش» في «عين العرب»، ووضعت العراقيل أمام الدعم الخارجي لأكراد سوريا، ولاحقاً رسمت خطوط حمراء أمام تقدم وحدات الحماية الشعبية و»قوات سوريا الديمقراطية» غرب الفرات، وهي لم تترك وسيلة دون أن تلجأ إليها لفرض جيب أمني يربط ما بين بلدتي اعزاز وجرابلس شمال سوريا، لمنع خلق «جيب كردي» متواصل في شمال سوريا. وحين لاحت الفرصة، للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، مع بدء التحضير الجدي لمسار «جنيف 3»، في أعقاب مؤتمر فيينا ونيويورك وقرار مجلس الأمن 2254، توعدت تركيا بمقاطعة المؤتمر إن دُعيَ الأكراد إليه، بل وأوعزت لحلفائها من بين المعارضات السورية، لإبداء تشدد واضح إن لجهة هوية وفد المعارضة إلى جنيف، أو لجهة جدول أعمال المؤتمر وهوية المشاركين فيه من خارج «مؤتمر الرياض» ... مرة أخرى، تُظهر السياسة التركية في سوريا، انقلاب المشهد رأساً على عقب، حين ترجح أنقرة كفّة «القوة الخشنة» على «القوة الناعمة»، وتتحول من نموذج «جاذب» لحل المشكلات في السياستين الداخلية والخارجية، إلى «نموذج طارد» وجزء من هذه المشكلات، لا من الحلول المرجوّة لها ... مرة أخرى، تقدم تركيا على تصدير «تجربة الفشل» في معالجة مشكلاتها الداخلية، بعد أن كانت موضع دراسة وتأمل لقصص النجاح في التعامل مع هذه المشكلات، ودائماً بفعل أطماع الإسلام السياسي الحاكم وتطلعاته «الفوق قومية» في الخارج، وإصراره على نهج «التمكين» في الداخل. لكن ما لا تريد أنقرة أن تعترف به، وبمسؤوليتها عنه، أن السنوات الخمس التي أعقبت «عشرية الازدهار»، تكاد تأتي على منجزات «عقد المعجزة»، فوضع أنقرة على الساحة لا يختلف عن وضعية أية دولة «راعية للإرهاب»، وهي تتلقى النقد على ما تقوم (وما لا تقوم) من سياسات وإجراءات من حلفائها قبل خصومها، وأكثر منهم... وسجلها الداخلي في مجال الحريات وحقوق الإنسان في تراجع مضطرد، ويكفي أنها الدولة التي حازت على لقب «أكبر سجن للصحفيين في العالم» ... تركيا اليوم، باتت مادة للتكهنات والتنبؤات المتشائمة، سواء تلك المتعلقة بوحدتها وتماسك نسيجها الاجتماعي، أو بمستقبل مسارها الديمقراطي، أو حتى بـ «معجزتها الاقتصادية»، دع عنك تهديد الإرهاب، الذي لن يخرج أنقرة من دائرة استهدافاته، على الرغم من الخدمات الجليلة التي تلقاها عبر حدود تركيا الطويلة مع سوريا، طوال سنوات خمس عجاف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا والأكراد تجربة في تصدير الفشل تركيا والأكراد تجربة في تصدير الفشل



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon