عريب الرنتاوي
فرضت دولة “داعش” سيطرتها على نصف العراق الغربي، وتمكنت من احتلال ثاني المدن العراقية، حررت السجناء، واستولت على مطار المدينة ومحطاتها الفضائية، وربما تكون في الطريق للسيطرة على قواعد ومراكز عسكرية ومستودعات للجيش، بما فيها ومن فيها من أسلحة وذخائر وعناصر بشرية.
الدولة تنهار في غرب العراق، والمدن العراقية في المحافظات السنّية تتساقط تباعاً، فيما الإنجاز الوحيد الذي بمقدور النظام العراقي الإعلان عنه، هو اعتقال “الخياط” الذي كان يحيك لـ “داعش” راياتها ويافطاتها (؟!) ... وسوف نرى لاحقاً ما الذي تعنيه دعوة المالكي البرلمان لإعلان حالة الطوارئ، وما الذي ستفضي إليه، صيحات الاستغاثة بالمجتمع الدولي، حكومات ومنظمات.
ولأنها لا تعترف بحدود “سايكس – بيكو” فإن داعش التي تمتد سيطرتها على شمال شرق سوريا، ونجحت مؤخراً في تحقيق اختراقات واسعة على جبهة دير الزور، باتت تدوير دولة كبرى، بمقاييس دول المنطقة، وانتقلت من أن تكون مجرد تهديد إرهابي/ أمني، إلى تهديد عسكري، ذي طبيعة استراتيجية، وما اعتبره البعض “هلالاً جهادياً” يحيط بالأردن من ثلاثة أرجائه، بات اليوم حقيقة قائمة، تستوجب الدرس والقراءة.
الولايات المتحدة ما زالت تتعامل مع “داعش” بوصفها صنيعة للنظام السوري، وهي مقاربة “خرقاء” لا تصمد أمام المعطيات الدالة على نشأة التنظيم/ الدولة أو تلك المتصلة بأهداف صولات وجولات حربها المتنقلة بين أكبر بلدين عربيين مشرقيين ... كيف يعقل أن تكون “داعش” صنيعة النظام في سوريا، وهي التي تقاتل بشراسة، ضد قوات حليفه في العراق، قوات المالكي ... كيف يعقل أن تختلط التحالفات إلى هذا الحد، حزب الله حليف المالكي والتحالف الشيعي يقاتل إلى جانب الأسد، و”داعش” صنيعة النظام تقاتل ضد المالكي، حليف النظام وحليف حليفه (حزب الله)؟
هي صورة معقدة بلا شك، لكن الخلاصة التي يتعين اشتقاقها من كل هذه الفوضى، هي أن القاعدة، باتت لاعباً إقليمياً، عابراً للحدود في المنطقة، وهي تزداد قوة، كلما تكاثرت الدول والعواصم التي تدرجها على قوائم الإرهاب، والأهم، أنها لم تعد بحاجة إلى التمويل الخارجي، فهي تجبي الضرائب والاتاوات وتستقدم المجاهدين من أربع أرجاء الأرض، وهي تبيع النفط، وتكاد تقترب من عضوية “أوبيك” للدول المصدرة له، وتشكيلاتها الحربية، أقرب ما تكون إلى تشكيلات الجيوش النظامية، وليس مجرد خلايا نائمة ويقظة، ومجموعات تكر وتفر.
إزاء هذا التهديد المتزايد لخطر “داعش”، زودت الولايات المتحدة العراق بطائرة واحدة من طراز إف 16، واشترطت أن ترابط في “القائم” في الصحراء الممتدة إلى الحدود مع سوريا، أي غير بعيد عن نفوذ داعش ومجالها الحيوي، وسوف تكون صدمة قاسية، إن وقعت الطائرة المتطورة في “الأيدي الخطأ”، بخلاف ذلك، لا يبدو أن واشنطن في وضع من بمقدوره أن يقدم الكثير للعراقيين لمواجهة هذا التهديد.
أما في سوريا، فالصورة تبدو أكثر قتامة ... صحيح أن واشنطن تنفي أن تكون لها مصلحة أو نية في إطالة أمد الأزمة السورية، لكن سياساتها على الأرض، لا توحي إلا بذلك، وبذلك فقط ... مؤخراً، وبعد خراب البصرة، استيقظت واشنطن على أهمية الجيش السوري الحر، وقررت أن تقدم له الدعم الفتاك وغير الفتاك، ويبدو أن “المعارضة المعتدلة” باتت فرس الرهان الأمريكي على محاربة الإرهاب ومقاومة “الديكتاتور”، من دون أن تدرك واشنطن، أنها جاءت متأخرة، بل ومتأخرة جداً، فالجيش الحر في أسوأ حالاته، بعد أن تلقى فيضاً من الهزائم المتكررة على يد داعش والنصرة والنظام والمعارضة المنقسمة على ذاتها، وإلى أن تتمكن “المعارضة” المعتدلة من شق طريق ثالث بين “الديكتاتور” و”الإرهاب”، سيكون الخراب قد لحق بكافة المدن السورية والعراقية، وليس بالبصرة وحدها، كما يقول المثل العربي الشهير.
أما نحن في الأردن، فلم نعد نمتلك ترف الانتظار والمراقبة، فالخطر يقترب من غرف نومنا، وهو يأخذ شكلاً استراتيجياً الآن، بعد أن تجاوز حدود التهديد الأمني لخلايا ومجاميع ... لسنا نمتلك ترف استرضاء أي جهة إقليمية أو دولية أو مسايرة حساباتها وأولوياتها ... وأحسب أنه بات يتعين علينا التفكير من “خارج الصندوق” ... وتجاوز الاعتبارات والحسابات التي دفعتنا لإدارة “دبلوماسية في حقل الألغام” كما وصفناه.
ومن ضمن هذا التفكير، النظر في إمكانية رفع وتائر التنسيق والتعاون، مع نظامي بغداد ودمشق، لتطويق هذا المد الزاحف لقوى التطرف والإرهاب ... وعدم انتظار الترياق ليأتي من “المعارضة المعتدلة” في سوريا، أو من “المكوّن السني” في العراق، الذي يبدو حائراً بين خيارين: توفير بيئة حاضنة لـ “داعش” من جهة، ودعم الكتل المحسوبة على المالكي أو القريبة منه كما برز من نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة من جهة ثانية ... حالة من التردد والضياع، لم تكن لها من نتيجة، سوى إدامة حكم المالكي وزيادة فرص الولاية الثالثة، وتمكين داعش من التجوال الحر والطليق، في كافة أرجاء المناطق السنيّة في العراق.