عريب الرنتاوي
وصف كثيرون الجنرال خليفة حفتر بـ “سيسي ليبيا”، في إشارة إلى أن “الجماهيرية العظمى” سابقاً، تسير في خطى مصر ما بعد الثلاثين من يونيو ... هؤلاء وجدوا في “القصة والسيناريو والإخراج”، العديد من عناصر التشابه والمشتركات، حتى أن حفتر نفسه، اعتبر تظاهرات طرابلس وبنغازي “تفويضاَ شعبياً” له بمحاربة الإرهاب، مستعيراً كلمات المشير عبد الفتاح السيسي في الثامن عشر من يوليو، بحرفيتها تماماً.
في البحث عن المشتركات ما بين التجربتين الليبية والمصرية، يتوقف المبشرون بسيناريو مصري لليبيا، عند “الخلفية العسكرية” لكل من حفتر والسيسي، واستناد كل منهما إلى مؤسسة عسكرية وجيش نظامي، أو بعضاً منه، كما في الحالة الليبية ... كما يتوقفون عن كراهية الجنرالين للإخوان المسلمين، واعتبارهم “الجماعة” تهديداً لأمن البلاد والعباد، وسعيهما الدؤوب لتحجيمها أو استئصالها إن وجدا إلى ذلك سبيلا ... كما يرون في دعم دول خليجية لكل من الجنرالين، إشارة أخرى كاشفة عن أوجه الشبه بين التجربتين، يرجحون من خلالها، فرضية سير ليبيا على خطى مصر، وحفتر على خطى السيسي.
والحقيقة أن كل ما ورد ذكره، من عناصر التشابه والمشتركات بين التجربتين، يبدو صحيحاً، بيد أنه منقوص تماماً ... وما ينقص هذه المقاربة التبسيطية، الحفر في عمق الاختلافات والتمايزات التي تباعد ما بين التجربتين، وتجعل من غير المؤكد أن ينجح حفتر حيث نجح السيسي، وأن تنتهي ليبيا إلى ما انتهت إليه، أو ستؤول إليه مصر، بعد ثورة يونيو وما أعقبها من تغييرات في الثالث من يوليو عام 2013.
القذافي ترك ليبيا، خراباً صفصفاً، لا أحزاب ولا مؤسسات مجتمع مدني، لا جهاز قضائي ولا نقابات مهنية وعمالية ... لا حركة ثقافية ولا حركة نسوية، وبالتأكيد لم يكن لشباب ليبيا في عهد القذافي الطويل أي دور يتخطى حدود ما يسمح به سيف الإسلام والساعدي وهانيبعل وعائشة القذافي ... القذافي ترك ليبيا، بد أن تقسّم جيشها، واحترب فيما بينه، وبعد أن فتحت أبواب مستودعات سلاحه الخفيف والثقيل، لكل من هبّ ودبّ ... القذافي “كان هو الدولة والدولة هي القذافي”، فلا أجهزة ولا إدارات ولا وزارات ولا مؤسسات .... مصر ما بعد مبارك، لم تكن كذلك أبداً.
في مصر، حافظت مؤسسات الدولة على تماسكها ووجودها ... لم تسقط أي منها ربما باستثناء جهاز الشرطة والداخلية الذي تعرض لأبشع عمليات التفكيك والانهيار والضعف في الأداء والاتهامية بممارسة العنف المفرط ضد المواطنين ... في مصر حركة ثقافية ومدنية ومؤسسات ونقابات ومجتمع، استطاع أن يسقط نظام مبارك من دون استدعاء أي تدخل خارجي، بل ومن دون إراقة الكثير من الدماء في الشوارع والميادين .... في مصر، سبق الشعب الجيش، في التصدي لنظام محمد مرسي، وأسقطه في الشارع قبل أن يسقطه البيان، رقم واحد ورقم اثنين.
المجتمع المصري، أكثر وحدة وتجانساً واستقراراً عبر التاريخ، من الشعب الليبي ... مصر هذه حدودها منذ آلاف السنين، والوطنية المصرية ترقى إلى “مستوى القومية” في نظر أكثر أبنائها حماسة لها .... ولا تقلل بعض الانقسامات المسيحية – الإسلامية، السيناوية– النوبية” من هذه الحقيقة على الإطلاق .... فيما ليبيا، بالكاد غادرت عصر “الإمارات” و”المحليات” من دون أن تدخل في عصر “الدولة”، وكل ما أقدم عليه القذافي، طيلة سنوات حكمه المديد والمرير، لم يفض إلا إلى تعميق الانقسامات الوطنية وتعزيز الهويات الثانية، وتنمية العلاقات الجهوية، عملاً بسياسة فرق تسد المشهورة، والدلالة الأبرز على عمق هذه الانقسام وضعف الهوية الوطنية الليبية، هو ما نشهده من دعوات انفصالية، ومن صراعات كامنة ومعلنة بين شرق ليبيا وغربها.
مصر، شهدت بعد سقوط حكم الإخوان تحدياً أمنياً، تمثل بوجود جماعات وخلايا إرهابية، ما يشكل تهديداً أمنيا (وليس عسكرياً) على البلاد ... أما في ليبيا، فالجيش منقسم إلى جيوش، والمليشيات أقوى من الجيش الوطني، والبلاد مفتوحة على شتى مدارس الجهاد الإخواني والسلفي، والسلاح أكثر من حامليه، والبلاد في فوضى شاملة، من موانئ النفط وآباره وطرق تصديره، إلى أصغر تفصيل في الحياة اليومية لليبيين.
في ضوء هذه الاختلافات والتمايزات، تبدو ليبيا قريبة ظاهرياً من السيناريو المصري، ولكنه قرب “ظاهري” فحسب، أما في حقيقة الأمر، فإن ليبيا تبدو أقرب إلى السيناريو السوري منها إلى السيناريو المصري ... سوريا التي دخلت منذ أكثر من شهرين العام الرابع من حربها الأهلية وحروب الآخرين عليها، مرشحة للبقاء في عنق زجاجة الأزمة، لعدة سنوات قادمة ... وفي ظني أن حال ليبيا سيكون على هذا المنوال، ومن يعش ير