توقيت القاهرة المحلي 01:46:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مبادرة في الوقت المستقطع

  مصر اليوم -

مبادرة في الوقت المستقطع

عريب الرنتاوي

لولا “المبادرة الفرنسية” لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، لكانت ستائر الترك والنسيان قد أسدلت تماماً على القضية الفلسطينية، ولما كانت “قضية العرب المركزية الأولى” قد تسللت من جديد، إلى نشرات الأخبار وعناوين الصحف ... لكن حسناً فعلتها باريس، إذ ذكرت دول العالم، ومن بينها الدول العربية، بأن هناك قضية ما زالت تبحث عن حل، وسط هذا الضجيج الدامي، الذي يصم الآذان في الإقليم بمجمله.

نقول ذلك، ونحن على أتم اليقين، بأن فرص نجاح المبادرة الفرنسية في دفع عملية التفاوض و”حل الدولتين” تكاد تكون معدومة، وحتى بفرض التئام شمل المؤتمر الدولي الذي تتطلع باريس لاستضافته، فإن حظوظه في إطلاق عملية تفاوضية “ذات مغزى” تبدو معدومة كذلك، بسبب نجاح إسرائيل في تدمير أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومع اتساع الشقة بين الحد الأدنى المقبول فلسطينياً، والحد الأقصى المعروض إسرائيلياً.

لم تتضح بعد تفاصيل المبادرة الفرنسية، ولا “الآليات” التي ستعتمدها لإطلاق عملية السلام من جديد، كما لم تكشف الدبلوماسية الفرنسية عن الأسباب التي تدفعها لإطلاق هذه المبادرة، ولماذا تعتقد بأنها ستنجح حيث فشل الآخرون ... لكن من الواضح تماماً أن ثمة “فراغا” يلف القضية الفلسطينية ويحيط بها، في ظل انشغال مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين وانصرافهم عنها، فضلاً عن تزايد مؤشرات الانزلاق لموجات جديدة من المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا ما استمر الحال على هذا المنوال.

ولا شك أن باريس، تدرك تمام الإدراك، أن واشنطن لن تكون جاهزة لأي تحرك جدي على هذا المسار، لسنة قادمة على أقل تقدير، فهي منصرفة إلى انتخاباتها الرئاسية أساساً، ولديها أجندة دولية حافلة بالأولويات التي تتقدم جميعها على المسألة الفلسطينية، فهل قررت باريس القيام بمبادرة لملء هذا الفراغ، وإشغال اللاعبين المحليين إلى حين؟ ... هل قررت القيام بدور “الدوبلير” بانتظار عودة “الممثل الأصيل” إلى خشبة المسرح من جديد؟

أياً يكن من أمر، لقد رحبت السلطة، ومن موقع “الغريق الذي يتعلق بقشة” بالتحرك الفرنسي، وقد سبق لها أن دعمت مشروع القرار الفرنسي إلى مجلس الأمن، والذي عطلته واشنطن نيابة عن إسرائيل ... ولا يبدو أن حكومة نتنياهو منزعجة من الجهود الفرنسية، طالما أنه قد بعث “الوهم” بوجود حركة سياسية وتفاوضية نشطة، وطالما أنها قد تخدم لعبة “تقطيع الوقت”، فجُلّ ما تريده إسرائيل هو إدخال المنطقة من جديدة في هذه اللعبة، التي ترفع الحرج عنها ولا تكبل يديها أو “تفرمل” بلدوزرات الاستيطان التي تقطّع الأوصال الفلسطينية، ليل نهار.

وقد تجد المبادرة الفرنسية قبولاً واستجابة من قبل أطراف عديدة، عربية ودولية، ولأسباب تتعدد بتعدد هذه الأطراف، وليس من بينها سبب واحد ذي صلة بالانتصار لحقوق شعب فلسطين ... بعض العرب من اللاهثين والمهرولين للتطبيع مع إسرائيل لمواجهة العدو الأخطر: إيران، سيجد في المؤتمر والعملية التي قد تنبثق عنه، ضالته لتطبيع رسمي ومعلن، وغيرمحرج ... وقد تجد تركيا في مناسبة كهذه، وسيلة لاستكمال حلقات التطبيع مع الدولة العبرية ... وقد تجد بعض الأطراف الدولية فيها وسيلة لإعفاء “ضمائرها من التأنيب” عن استمرار أطول احتلال وكارثة إنسانية في تاريخ البشرية المعاصر ... وقد تمهد هذه الأسباب مجتمعة، طريق الدبلوماسية الفرنسية لتحقيق مرادها.

لكن الحقيقة الصلبة التي ستظل تصفع الجميع، قبل المؤتمر وبعده، إن قُدّر له الالتئام، هي أن “حل الدولتين” قد بات وراء ظهورنا جميعاً، وأن العملية التي بدأت في مدريد ومرت في أوسلو وغيرهما، قد ماتت، وشبعت موتاً.

قد تنتهي الخطوة الفرنسية إلى الفشل، وقد تصدر انتقادات من العاصمة الفرنسية للمواقف الإسرائيلية المتعنتة، وقد يمهد كل ذلك لاعتراف فرنسي بالدولة الفلسطينية (على الطريقة السويدية)، لكن لا هذه النتيجة ولا تلك، يجب أن تكون سبباً في إعادة بعث الأوهام والرهانات الخاسرة في أوساط القيادة الفلسطينية، هذا إن كانت الأوهام والرهانات الخائبة قد غادرتها أصلاً.

ليس لعاقل أن يقترح إدارة الظهر للتحرك الفرنسي، لكن التحذير من الاستمرار في مطاردة خيوط السراب والتعلق بـ “حبال الهواء”، يبدو أمراً ضرورياً، كما يبدو ملحاً كذلك، أن تمعن القيادة الفلسطينية النظر إلى الفرصة التي تتعاظم تحت ناظريها وبين يديها، الفرصة التي توفرها هبّة فتيان وفتيات فلسطين، الذين اختطوا بوعيهم العفوي وتضحياتهم الجسيمة، طريقاً مغايراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبادرة في الوقت المستقطع مبادرة في الوقت المستقطع



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon