عريب الرنتاوي
أوكلت الإدارة الأمريكية مهام جديدة لـ “المعارضة السورية المعتدلة”، كشف عنها جون كيري في “اجتماع المطار” مع أحمد الجربا رئيس الائتلاف: محاربة “داعش” في العراق وليس في سوريا فقط ... لدينا في قاموس الأمثال الشعبية الأردنية ما يصف هذا المشهد بدقة، لكن “قانون المطبوعات والنشر” يحظر علينا استخدامها دون المقامرة بمواجهة العقوبة، لذا آثرنا السلامة.
قبل أيام، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يصف الرهان على “المعارضة المعتدلة” بالفانتازيا، وينعى الوقت والجهد الضائعين اللذين استهلكتهما الإدارة في العمل على “شد عضد” هذه المعارضة ... اليوم، يأتي كيري ليضيف إلى مهمتي المعارضة في مقاومة الإرهاب والتصدي للديكتاتور، مهمة ثالثة: ملاحقة داعش في العراق ... فهل أفلحت المعارضة في مقاومة “داعش” في سوريا، وبناء التوازن مع “الديكتاتور” في دمشق، حتى يزج بـ “جحافلها” في صحراء الأنبار ونينوى وصلاح الدين؟
لقاء “الترانزيت” في مطار جدة، يعكس المكانة المتواضعة التي تحتفظ بها “المعارضة المعتدلة” عند كبار المسؤولين الأمريكيين، وما دار من محادثات بين الوزير الأمريكي وأحمد الجربا، يلخص “نظرة” واشنطن للائتلاف بوصفه الوعاء الأكبر لهذه المعارضة، بل وربما يفسر التناقض الذي تحدثنا عنه قبل أيام في هذه الزاوية بالذات، عندما تساءلنا كيف يعقل أن يطلب أوباما من الكونغرس نصف مليار دولار لدعم “المعارضة المعتدلة” ولم ينقضِ سوى أقل من 72 ساعة على تصريحاته المهينة للمعارضة والمقللة من شأنها؟
كيري كان واضحاً مع الجربا: “داعش” هي الخطر الأول، والأولوية لمحاربة الإرهاب ... لا شيء عن “الديكتاتور” أو مستقبل الديمقراطية في سوريا (هل عاد أحد يتحدث عن ذلك) ... كيري نظر إلى الجربا فرأى في خلفيته العشائرية شيئاً أكثر أهمية وفائدة من خلفيته السياسية والحزبية و”الائتلافية، لذلك استطرد في الحديث عن أصوله “الشمّرية”، وراهن على قدرته على جمع أبناء العشيرة الموزعين على امتداد بوادي المنطقة وصحاريها، لمواجهة خطر الإرهاب... لكأني بوزير الخارجية الأمريكية وقد بات ينظر للائتلاف و”المعارضة المعتدلة” بوصفها “صحوات عشائرية محسّنة”، برجال يرتدون أفخر أنواع الملابس ويدخنون السيجار الكوبي، ويتنقلون على مقاعد الدرجة الأولى بين فنادق الخمسة نجوم.
كيري بدد نسبياً غموض تصريحات أوباما وتناقضها ... الخمسمائة مليون دولار التي طلبها البيت الأبيض مخصصة لتمويل “الصحوات العشائرية الجديدة”، وهذه لا تحتاج إلى أسلحة “كاسرة للتوازن” ولا إلى صواريخ مضادة للطائرات تخشى واشنطن من انتقالها لـ “الأيدي الخطأ” ... “الصحوات” في سوريا كما كانت في العراق، تحتاج إلى أموال وأعطيات، تُمنح لشيوخ العشائر و”المؤلفة قلوبهم” من أبنائها وزعاماتها، هؤلاء لا ينقصهم السلاح ولا الرجال، طالما أن المال يتدفق ... والأرجح أن موجة “السخاء الأمريكي” المفاجئة، إنما المقصود بها تدعيم “الصحوات” أو تحويل “المعارضة المعتدلة” إلى ضرب من ضروبها.
وربما لهذا السبب وجدنا موسكو أقل قلقاً وتحسباً من قرار أوباما تخصيص نصف مليار دولار للمعارضة ... حتى أن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حاول احتواء الهجوم الذي شنه سفير روسيا إلى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين على القرار الأمريكي، بقوله (لافروف) أن واشنطن أبلغتنا بأن المساعدة لا تنطوي على أية أسلحة فتّاكة، والمأمول الا تصل إلى “الإرهابيين”.
خلاصة القول، أن واشنطن تمضي في استهلاك الوقت والجهد في سوريا، مع “معارضة معتدلة” مصرّة على أن تثبت في كل يوم، بأنها عصية على التوحد والانسجام والعمل بهدي من تطلعات الشعب السوري وأشواقه ... ففي الوقت الذي كان فيه الجربا يتحضر للقاء كيري، كان أحمد الطعمة يقيل قائد الجيش الحر عبد الإله البشير ويعين خلفاً خلفه، ثم يعود رئيس الائتلاف لينقض قرارات رئيس الحكومة ويلغيها، لتتوالى التقارير بعد ذلك، عن أزمة ثقة بين الجربا والطعمة، أو بالأحرى بين الجميع ضد الجميع في الائتلاف.
ولعل ما قاله فيتالي تشوركين، هو الأصدق تعبيراً في وصف حال السياسة الأمريكية حيال سوريا: هم لا يعرفون إن كان الوقت مناسباً لتعيين بديل للأخضر الإبراهيمي، وليسوا متأكدين مما إذا كان الوقت مناسباً لإجراء حوار بين النظام والمعارضة أو عقد مؤتمر جنيف، أي أنهم ببساطة، ليسوا متأكدين من أي شيء.