توقيت القاهرة المحلي 00:47:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مــوسكــو وواشنـطــن ... حدود التلاقي والاختلاف

  مصر اليوم -

مــوسكــو وواشنـطــن  حدود التلاقي والاختلاف

عريب الرنتاوي

في معرض تعقيبها على «تعليق» اجتماعات «جنيف 3» بين النظام والمعارضة السوريين، شددت واشنطن، ومن ورائها باريس، على ضرورة أن «تركز» موسكو ضرباتها الجوية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي يجتمع العالم على وصفه بالخطر الأكبر الذي يتهدد الأمن والسلم الدوليين، وتفادي ضرب «المعارضة المعتدلة» و»المدنيين» السوريين ... جون كيري الذي اجتمع بنظيره الروسي كما يجتمع مع أي مسؤول دولي آخر، قال إن النظام في دمشق، مدعوماً من موسكو، برهن على تفضيله الحل العسكري على الحل السياسي للأزمة السورية.
مثل هذه الانتقادات، رافقت التدخل العسكري الروسي منذ يومه الأول، حتى أن وزير الدفاع الفرنسي يظل يتتبع «النسب المئوية» المتحركة للضربات الجوية الروسية لأهداف تتبع «داعش»، مقارنة مع الضربات الموجهة لـ «المعارضة المعتدلة» و»المدنيين»، وظلت هذه النسب تراوح حول حاجز الخمسة بالمائة، إلى أن انصرف الوزير الفرنسي عن حاسبته الالكترونية، وترك «رياضيات» التدخل العسكري الروسي لغيره من «الخبراء».
والحقيقة أن الضربات الجوية الروسية كما نتتبعها، وبالحدود التي تتوفر لنا معلومات حول أهدافها، أولت الاهتمام والتركيز على ضرب «الفصائل المسلحة» في المناطق الأكثر حيوية واستراتيجية من منظور أمن النظام ومؤسساته ومناطق سيطرته ... «داعش» لا تتركز في هذه المناطق، ونفوذها الرئيس يكاد ينحصر في شمال شرق سوريا ومناطق البادية الشرقية ... موسكو كما دمشق، تعتبر «داعش» تهديداً يمكنه الانتظار، بيد أن تهديد «الفصائل المسلحة» في ريف اللاذقية ومحيط دمشق وحمص وحلب وإدلب وحماة، أكثر خطورة واستعجالاً، ولهذا جاء تركيز الضربات الجوية الروسية على هذه المناطق والأهداف، مع أنها وجهت ضربات مؤلمة لداعش، خصوصاً لصناعة استخراج النفط وتكريره وتهريبه إلى تركيا.
في المقابل، لم نجد اهتماماً من قبل قوات التحالف الدولي باستهداف «جبهة النصرة»، وبعض حلفائها من المنظمات التي تشاطرها ذات الخلفية السلفية الجهادية، في مناطق «سوريا المفيدة» للنظام ... هذا لا يعني أن التحالف كما يقول خصومه، على صلة قرابة مع «النصرة»، أو أنه متواطئ معها وداعم لها ... هناك «قاعدة» تحرك التحالف الدولي، مفادها أن «داعش» أخطر على السلم الإقليمي والدولي من «النصرة، ولذلك يوليها التحالف اهتماماً وتركيزاً أكبر في عملياته وضرباته الجوية ... ثم، أن التحالف، وبالنظر لتداخل مناطق سيطرة «النصرة» وتواجدها، مع مناطق سيطرة فصائل محسوبة على حلفاء واشنطن، يجري التعامل مع «النصرة» كتهديد يمكنه الانتظار... وثمة رهان لم تثبت نجاعته بعد، ما زالت واشنطن ودول التحالف تستمسك به، مفاده «دع المنظمات المتطرفة يقتل بعضها بعضاً» كما يحصل مع «النصرة» وحلفائها بين الحين والآخر ... وثمة «نظرية» أخرى، تصنف الإرهاب من حيث درجة شدته ووحشيته وخطورته، فتفضل التعامل مع الأخطر ومن ثم الأقل خطورة.
روسيا قلقة من تنامي خطر الإرهاب، وهذا أمرٌ لا يمكن التشكيك فيه، وتدخلها في سوريا، ليس محصوراً فقط بدعم النظام وحفظ نظام الأسد، بل من منطلق أن سوريا «خط دفاع أول» عن أمنها واستقرارها، وعن 20 مليون مسلم هم جزء من سكانها ... ولا شك أن روسيا ما زالت مسكونة بهاجس الفراغ الناجم عن سقوط مؤسسات الدولة، والذي لم ينجح في ملئه سوى الجماعات الإرهابية.
والولايات المتحدة، لا تريد أن تعطي أي هامش «استرخاء» للنظام في دمشق، حتى وإن أدى ذلك، إلى إرجاء لحظة الحساب مع «النصرة» وحلفائها ... وهي لهذا السبب تفصل التركيز على «داعش» أولاً، ومن بعد ذلك لكل حادث حديث.
روسيا وواشنطن، تتقاربان حيال العديد من عناوين في الملف السوري، لكن «الشقة» ما زالت كبيرة بين الجانبين، ولا أظن أن هناك تفاهماً روسياً أمريكياً مكتملاً، أو أن هناك اتفاقا «مكتوب» بين الجانبين ينتظر الإخراج والإعلان ... ثمة تباين في الأولويات بين العملاقين، وأهم التباينات التي تباعد ما بينهما: مصير الأسد.
لقد اقتربت واشنطن خطوة كبيرة من موسكو بقبولها «دور ما» للأسد في المرحلة الانتقالية ... وعلى موسكو أن تتخذ بدورها خطوة مقابلة، تتعلق بإفهام حلفائها في دمشق، بأنه من غير المقبول بحال من الأحوال، أن يظل مصير سوريا وشعبها وأزمتها، رهناً بمستقبل ومصير رجل واحد ... روسيا تستطيع أن تحمل الأسد على أكتافها لمرحلة انتقالية، لا نعرف كم ستمتد واقعياً، لكن هل من مصلحة روسيا، أن تخاصم العالم لقاء استمرارها في حمله، أبعد من ذلك؟
وكما أن موسكو مضطرة لمراعاة مواقف بعض حلفائها في الأزمة السورية: إيران اساساً، فإن واشنطن مضطرة كذلك، لأخذ مواقف حلفائها بنظر الاعتبار، وإن إلى حين (تركيا والسعودية وآخرين) ... حلفاء لا تجد العاصمتان الدوليتان من صداقتهما بُدّ، صحيح ... لكن الصحيح كذلك، أنه بوجود حلفاء من هذا النوع، لا تبدو أن أي منهما بحاجة للأعداء.
ستظل الأزمة السورية تراوح بين صعود وهبوط، إلى أن تكتمل عناصر التوافق والتفاهمات الروسية الأمريكية، والتي سيكون لها وحدها، الأثر الحاسم في لجم اندفاعة الأطراف الإقليمية الفاعلة في سوريا (السعودية، إيران وتركيا)، قبل ذلك، ومن دون ذلك، سنظل ندور في حلقة مفرغة، وستظل مسار جنيف، نوعاً من «تقطيع الوقت».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مــوسكــو وواشنـطــن  حدود التلاقي والاختلاف مــوسكــو وواشنـطــن  حدود التلاقي والاختلاف



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon