عريب الرنتاوي
احتل الإسرائيلي موردخاي أميهاي موقع نائب رئيس لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، وحظي على تأييد 74 دولة من أصل 159، وبهذا تكون دولة “آخر الاحتلالات” في القرن الحادي والعشرين، قد حظيت بموقع متقدم على رأس لجنة تصفية الاحتلال والاستعمار في المنتظم الدولي، فأية مهزلة هذه.
الغريب أن القرار الأممي، الذي لم يكن ممكناً من دون تواطؤ أوروبي مفضوح، يأتي في اللحظة التي تقوم فيها إسرائيل بأبشع عمليات التنكيل والعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع والقدس، دع عنك حكاية الاحتلال المزمن لأراضي ثلاثة دول عربية: فلسطين، سوريا ولبنان، لكأن المجتمع الدولي يريد أن يكافئ إسرائيل وهي في ذروة عربدتها الاحتلال والتوسعية والاستيطانية العنصرية.
الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت في الغالب الأعم، ملاذاً للفلسطينيين، هرباً من “الفيتو” الأمريكي المتكرر ضد حقوقهم وتطلعاتهم في مجلس الأمن، فالأغلبية هنا مضمونة وتلقائية في معظم الحالات، وإسرائيل لم تساندها ولم تدعم جرائمها، سوى حفنة قليلة من الدول، في صدارتها الولايات المتحدة، وغالباً كندا وأستراليا، وبضعة جزر يصعب تذكر أسمائها أو مواقعها على خريطة الكرة الأرضية.
اليوم، يأتي القرار الأممي صاعقاً، لكأنه جرى اقتناصه في غفلة من أعين العرب والفلسطينيين، المُلامين بالطبع، عن هذا “الاختراق”، وهو ما يتبدى من ردات الفعل الفجائعية التي صدرت عن أكثر من جهة وعاصمة عربيتين، ووزارة الخارجية الفلسطينية المسؤولة أكثر من غيرها عن هذه “النكسة”... لكن يبدو أن الوقت قد فات على تدارك ما يمكن تداركه، وأن إسرائيل ستحتفظ بهذا الموقع، برغم الطابع الوقح واللا أخلاقي لهذا القرار.
والواقع أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية، ليس أطول الاحتلالات وأكثرها دموية وعنصرية فحسب، بل هو الاحتلال الوحيد المتبقي من حقبة تصفية الاستعمار، وهو احتلال إجلائي – إحلالي عنصري، مؤسس على نظرية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، والتي مورست تحت ظلالها، أبشع عمليات التهجير الجماعي لسكان البلاد الأصليين، وقورفت بذريعتها أبشع الجرائم والمجازر، وما يزال بنتيجتها، أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في المنافي القريبة والبعيدة، ومع ذلك، لا تجد دول “حقوق الإنسان وحق تقرير المصير”، غضاضة في ترشيح إسرائيل لهذا المقعد، فأي نفاق هذا؟!
وأحسب أن إسرائيل ما كانت لتعمل على كسب المنافسة على هذا المنصب من موقع “الأوهام” بما يمكن لها أن تحققه من خلاله، لكنها بالتأكيد أدركت عميق الإدراك، الدلالة الرمزية لشغل هذا الموقع بالذات، فهي تعاني العزلة والمقاطعة الدولية جراء ممارساتها العدوانية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني وهي تخشى على “شرعيتها” التي باتت مهددة أخلاقياً وربما سياسياً في ظل اتساع دائرة المقاطعة والرفض والإدانة لسلوكها التوسعي – الاستعماري، وهي لكل هذه الأسباب، تريد أن تنزع عن نفسها صفة “الاحتلال” و”العنصرية”، وارتداء ثوب زائف بديل، موشح بعبارة : تصفية الاستعمار.
يبدو أن الزمن الذي كانت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، قادرة على تسمية الأشياء بأسمائها قد راح وانقضى، ليحل محله زمن تسمية الأشياء بنقيضها ... فشتان ما بين قرار الأمس القريب بتسميتها عضوها في لجنة تصفية الاستعمار، وقرار الأمس البعيد، بإدانة الصهيونية بوصفها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
على أية حال، لا تكفي الكلمات لإدانة كل من بادر إلى ترشيح أو دعم ترشيح إسرائيل للوصول إلى هذا الموقع ... لكن هذه الكلمات لا تكفي أيضاً لإدانة حالة الترهل الفلسطيني من جهة والضعف والتخاذل العربي من جهة ثانية ... لكأننا أخذنا على حين غرة، لكأننا تعرضنا لنكسة “حزيرانية” من جديد ... وحزيران حافل بالنكسات والهزائم ... من حرب عام 1967 إلى “غزوة نينوى”.