توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يساريون و قوميون

  مصر اليوم -

يساريون و قوميون

عريب الرنتاوي

أتيح لنا أن نقضي سويعات ممتعة مع قادة أربعة أحزاب إيديولوجية أردنية قومية ويسارية، انتهت في الأشهر القليلة الفائتة من تنظيم مؤتمراتها الوطنية، والغرض من اللقاء كان التعرف على “المراجعات” و”التصويبات” التي أجرتها هذه الأحزاب على برامجها ومواقفها في ضوء نتائج وتداعيات الزلازل المتلاحقة التي ضربت العالم والإقليم خلال الخمس و العشرين السنة الماضية.
والحقيقة أنه من الظلم الاستمرار في اتهام هذه الأحزاب بـ “الجمود العقائدي” أو “معاندة التاريخ”، فقد لاحظنا تطوراً في الخطاب، ينحو باتجاه الاعتراف بالدولة الوطنية وتبني مفاهيم الديمقراطية والتعددية، والانفتاح على الثقافة المدنية وقيم حقوق الانسان ... لكن ذلك لا يعني أبداً، أن هذه الأحزاب، قد أتمت المراجعات المطلوبة، أو أنها وقفت أمام تجربتها بكثير من النقد والتشريح والتصحيح ... فالأحزاب عموماً، كما الحكومات والأنظمة، تفضل أن تنتقل إلى الموقف الجديد من دون أن تنتقد الموقف القديم، أو أن تصفي الحساب مع المرحلة القديمة، وفي أحسن الأحوال، تميل للقول بان أخطاء وقعت، وجلّ من لا يسهو؟! جذر الخلل في أحزاب المرجعيات اليسارية، أنها وهي تنتقل من صرامة الماركسية اللينينية وحزبها الحديدي، هيئة أركان الطبقة العاملة، إلى الفضاء الديمقراطي الأرحب، لم تتوقف مطولاً أمام “مفهوم الدولة”، فالدولة عند هذه المرجعية، خصوصاً في الإضافة اللينينية للماركسية، هي التنظيم السياسي للطبقة المسيطرة اقتصادياً، هي جهاز القمع والإكراه الذي تمارسه البرجوازية ضد البروليتاريا والطبقات الشعبية الرثّة ... وتأسيساً على هذا المفهوم، فإن الديمقراطية ليست سوى وسيلة تلتجئ إليها البرجوازية لتقرر من سيمارس دور القمع والإكراه كل أربع أو خمس سنوات. ومن الجائز بموجب هذين الفهمين المكملين لبعضهما البعض، أن يجري تبني مفهوم “أداتي” للديمقراطية، فتكون وسيلة الحزب للوصول إلى السلطة، وبعد ذلك تدمير أدوات “السيطرة” والإكراه” الرأسمالية، والشروع دون إبطاء في تشييد صروح ديكتاتورية البروليتاريا(أو البروليتاريا المتحالفة مع جموع الفلاحين والفقراء) التي هي ذروة سنام “الديمقراطية الشعبية” باعتبار أن ديكتاتورية الأغلبية هي المعادل الموضوع للديمقراطية الشعبية أو الثورية. بهذا المعنى، لا تختلف قراءة بعض “الماركسيين –اللينينيين” عن قراءات بعض “السلفيين” و”الأصوليين” الإسلاميين، الذين لم يروا في الديمقراطية سوى وظيفتها “الأداتية”، كسلم للوصول إلى السلطة، ومن بعدها “التمكين” بما هو سيطرة تامة على مفاصل الدولة، ومشروع “أسلمة” جارفة للمجتمع، بما يعني توفير “بيئة حاضنة” لسلطتهم، كفيلة بإعادة انتاجها. بهذا المعنى أيضاً، لا تختلف حكاية “الديمقراطية الشعبية/ الثورية”، بوصفها ديكتاتورية الأغلبية، عن النظريات التي تختزل الديمقراطية بصناديق الاقتراع، وتشرعن لحق الحزب الفائز، بممارسة تغيير منهجي منظم لقواعد اللعبة السياسية وانتهاك حقوق الأقلية/ الأقليات، بل والافتئات عليها، طالما أنه جاء بتفويض من صناديق الاقتراع ... وإذا كان هناك من دروس لتجربة العدالة والتنمية في تركيا، فهي “يقين” الحزب، بأنه وهو الفائز في عشرة انتخابات واستفتاءات، بأنه قادر على فعل ما يشاء والتطاول على من يشاء وانتهاك حقوق المخالف، وإلحاق القضاء والإعلام وقطاع الأعمال بركب حزبه وسلطته، إلى أن جاءت الصدمة الكبرى في الانتخابات الأخيرة. مفهوم الدولة الوطنية، ظل مرذولاً عند القوميين، وبدرجة تزيد أو تنقض عند اليساريين الأمميين، وهم بهذا المعنى لا يختلفون كثيراً عن الإسلاميين الذين يجنحون لمفهم “الأمة الإسلامية”، و”دولة الأمة”، لا حدود وتخوم بيّنة بين الوطني والقومي والأممي في خطاب كثير من هذه الأحزاب، الفارق أنها تختلف في “التبرير” أو”الأسباب الموجبة” إن جاز التعبير. الشيوعيون والقوميون ليسوا أبناء زمننا هذا، فهم ورثة أحزاب وإيديولوجيات، سادت و”مادت”، وحكمت في كثير من الأصقاع والأمصار ... إلا أن تجارب الحكم تلك، لم تخضع بعد لكثير من النقد والتشريح، وأبعد نقطة وصلتها كثرة من أحزابنا، هي الحديث عن أخطاء، أو هنات هينات، لا تكاد تذكر في سياق الإنجازات التاريخية، لكأن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والتعددية، مجرد تفاصيل، يمكن التغاضي عنها، أمام إنجازات القطاع الاشتراكي وكهربة الريف ومجانية التعليم ... مع أن تجارب الحكم في المجتمعات المذكورة، انتهت إلى نتائج كارثية، خصوصاً في العالم العربي، من النكسة في العام 1967 وانتهاء بكل خيباتنا في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وغيرها. نظرية المؤامرة، هي زورق نجاة بعض هذه التيارات، وهي تسعى في تشخيص التجربة وتحديد مواطن الخلل فيها، ومن دون إنكار للمؤامرة والمتآمرين، إلا أن الحقيقة والانصاف يقتضيان القول، إن سبب هزيمة هذه التجارب وفشلها، كامن فيها ... فلا اليسار سعى في تأصيل خياراته الديمقراطية، ولا القوميون نجحوا في التأسيس لعروبة منفتحة على الآخر ومتفاعلة معه، خصوصاً من أبناء القوميات الأخرى الشريكة للعرب في التاريخ والحضارة، فعجرت هذه الحركات، لا عن إنجاز مشروعها الوحدوي فحسب، وإنما في حفظ وحدة وسيادة “الدولة القطرية” المرذولة في خطابهم. أما عن تجربة التشرذم والتمزق فحدث ولا حرج، فلا القوميون نجحوا في توحيد صفوفهم وجسر خلافاتهم، مع انهم يتبنون مرجعية عريضة واحدة، ولا اليساريون نجحوا بدورهم في لملمة شتات أنفسهم، مع أن مساحة المشترك والجامع في برامجهم أوسع بكثير من مساحة الخلاف والتمايز. مشوار المراجعة الذي بدأته هذه الأحزاب ما زال في أوله، وأحسب أننا بحاجة لمزيد من الوقت والجهد، قبل أن نتحدث عن “يقظة قومية” أو انبعاث يساري، يحاكي بعض فصول ما حدث في القارة اللاتينية، هذا إن أمكن في الأصل، حدوث شيء مشابه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يساريون و قوميون يساريون و قوميون



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon