مصطفي الفقي
فنان راحل يختلف عن سواه، موسيقار مثقف موسوعى المعرفة متعدد المواهب، ظل حتى الرمق الأخير فى حياته يعيش الحياة السياسية ويتابع ما يجرى فى وطنه، إنه محمد نوح، الذى نتذكره كلما قلنا (مدد مدد.. شدى حيلك يا بلد)، فهو فنان لا يغنى ولكنه يؤدى، ارتبط بحرب أكتوبر 1973، واقترب من الرئيس السادات كثيراً، وهو الذى قاد موكب الغناء من مطار القاهرة يوم عودة الرئيس الراحل من زيارة القدس الشهيرة عام 1977، كذلك يوم عودته بعد توقيع اتفاقيات «كامب ديفيد»، ثم اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وقد انخرط فى الحياة السياسية بعد ذلك وأصبح مسؤول لجنة الثقافة لحزب الوفد الجديد، كما كان مخلصاً لقضية الوحدة الوطنية، وهو مجدد الألحان الفرعونية والأنغام القبطية فى يوم احتفال الكنيسة المصرية التاريخى على ضفاف نيل المعادى بحضور البابا الراحل شنودة الثالث والقيادات الرسمية والشعبية حينذاك، ولمحمد نوح تاريخ طويل لفتى صغير عشق الفن الذى بدأه بالتمثيل هاوياً فى نادى مدرسة دمنهور، حيث كنا ندرس معاً وإن كان يسبقنى بعدة سنوات دراسية إلا أنه كان فى الإجازة الصيفية يشعل عاصمة البحيرة نشاطاً فنياً بغير حدود ويقود مسرح الدراويش فى أداء فكاهى ممتع، وقد تبناه محافظ الإقليم الذى يعتبر مجدد الحياة على أرض تلك المحافظة وهو الراحل وجيه أباظة الذى جعل من محمد نوح مسؤولاً عن فرقة البحيرة للفنون الشعبية، وبعدها غزا محمد نوح العاصمة المصرية واقتحم أبواب المسرح والسينما وكان دوره فى فيلم «الزوجة الثانية» شقيق العمدة صلاح منصور بمثابة نقطة تحول فى حياته، فقد لفت الأنظار بموهبته الواضحة وأدائه المتميز، ومنذ ذلك الحين وهو يمخر عباب بحر الثقافة المصرية فى كل الاتجاهات إلى أن استأجر مسرح التليفزيون فى مقره بالمبنى الملحق بالكلية الحربية المصرية، وقدم فيه سلسلة من المسرحيات كانت أشهرها مسرحية «سحلب»، حيث قام بإخراج عدد من الأعمال الفنية اشترك فيها فنانون كبار فى نهاية ثمانينيات وبدايات تسعينيات القرن الماضى، وكان من أبطاله أسماء مثل ليلى علوى ونيللى... وغيرهما من نجوم الدرجة الأولى، وقد كان محمد نوح يملك مساحة عريضة من فهم الفنون المختلفة والغوص فى علوم الموسيقى وأنغام الشعر المعاصر، خصوصاً أنه صقل موهبته بالدراسة المتخصصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان موهوباً فى تقليد الشخصيات السياسية، ولا أنسى قدرته على تقمص شخصية الرئيس الأسبق «مبارك» أو الوزير الأسبق حسب الله الكفراوى عندما كنا نلتقى بعد صلاة الجمعة كل أسبوع فى صالون الدكتور عبد المنعم عثمان، أمد الله فى عمره، وقد امتلك محمد نوح استوديو النهار الذى قام بأعمال موسيقية كبيرة كان من بينها وضع الموسيقى التصويرية لبعض أفلام المخرج العالمى يوسف شاهين، وقد ربطتنى صداقة وثيقة بذلك الفنان الموهوب والموسيقار الكبير طوال رحلة العمر، وكان قريباً منى فى معظم مراحل حياتى، وهو ما كان دائماً مصدر اعتزاز ومودة، وقد كان محمد نوح معروفاً على المستوى العربى ومحل تقدير الأوساط الفنية فى كل مكان، كما كان متحدثاً لبقاً تعينه خلفية ثقافية عريضة وفهم عميق للبيئة السياسية التى يعيش فيها والظروف المحيطة على المستويين الوطنى والشخصى، لذلك فإن اسمه سوف يظل فريداً فى عالم الموسيقى والتمثيل، فقد كان خبيراً فى درجات السلم الموسيقى وموهوباً فى تقمص الأدوار الفنية ملماً بمقامات الشعر وبحوره وأوزانه، له حديث ممتع يشد إليه مستمعيه بما يحكيه من نوادر، رحمه الله رحمة واسعة فناناً وطنياً وإنساناً موهوباً وصديقاً عزيزاً.