توقيت القاهرة المحلي 10:14:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محنة التنظيم الدولى المعاصر

  مصر اليوم -

محنة التنظيم الدولى المعاصر

مصطفي الفقي


دعنا نعترف أن المنظمات الدولية العالمية والقارية والإقليمية والقومية أيضاً تواجه محنة حقيقية فى العقود الأخيرة، فلقد ارتبط ميلاد القانون الدولى بقاعدته القانونية التى تبدو ناقصة بسبب غياب عنصر الجزاء والأداة الإلزامية لتوقيعه، ومع ذلك مضى العالم المعاصر نحو استحداث أطر تنظيمية لتطبيق تلك القاعدة القانونية الدولية رغم عوارها، معتبرين أن المحافظة على الأمن والسلم الدوليين هى مسألة تكفل فى حد ذاتها الضمان اللازم لتحقيق الشرعية الدولية رغم غياب الزاجر الذى يكفل وجود عنصر الجزاء متممًا أركان القاعدة القانونية فى فلسفة نشأتها الأولى، ولقد جاءت «ديباجة» ميثاق «الأمم المتحدة» تعبيراً عن ذلك المعنى رغم أنها من الناحية السياسية هى «حلف للمنتصرين» فى «الحرب العالمية الثانية»، وهو أمر انعكس على تركيبة «مجلس الأمن» الذى يعتبر الجهاز التنفيذى الأعلى لتلك المنظمة خلافًا لفلسفة قاعدة «الإجماع» لدى «عصبة الأمم» التى ولدت فى أعقاب «الحرب العالمية الأولى» مواكبة للمبادئ الشهيرة للرئيس الأمريكى الراحل «ويلسون»،.

كما فطنت «الأمم المتحدة» إلى أن الدوافع الاقتصادية للحروب تحتل مساحة كبيرة فى الأسباب التى تقف وراء النزاعات الدولية ومشكلات الحدود والأطماع فى ثروة الغير فكان «مشروع مارشال» لإنعاش أوروبا بعد نهاية «الحرب الكونية الثانية» إحساساً بأهمية الجانب الاقتصادى للعلاقات الدولية الراهنة، ولكن التقويم الأمين لتجارب «التنظيم الدولى المعاصر» بدءاً من «الاتحاد البرلمانى الدولى» فى القرن التاسع عشر مروراً «بعصبة الأمم» و«منظمة الأمم المتحدة» وصولاً إلى «جامعة الدول العربية» وغيرها من المنظمات الإقليمية تؤكد فى مجملها ضعف التنظيم الدولى المعاصر والاتجاه نحو العلاقات الثنائية المباشرة وتفضيل لقاءات القمة أسلوباً عصرياً يتخطى حواجز «التنظيم الدولى» ودهاليزه الطويلة وكواليسه المعتادة، فلقد وقر فى ضمير العالم المعاصر أن المنظمات الدولية إنما تقوم بعملية استهلاك للوقت وتأجيل للمواجهات بينما تبقى القضايا المزمنة مثل «القضية الفلسطينية» و«مشكلة كشمير» و«مسألة تقسيم قبرص» مجرد بنود تقليدية على أجندة الجمعية العامة التى لا تعدو أن تكون مجرد منبر للخطاب الدولى، هى أقرب إلى المحفل السياسى منها إلى أن تكون أداة قانونية دولية بينما يتكفل حق «الفيتو» على الجانب الآخر بتحويل «مجلس الأمن» إلى أداة للكبار فى ظل سيطرة أمريكية، ويكفى أن نتذكر أن الأمين العام الأسبق «للأمم المتحدة» «بطرس بطرس غالى» قد حاز منصبه بعد أن حصل على أحد عشر صوتاً بينما خسر منصبه عند محاولة تجديد فترته رغم حصوله على أربعة عشر صوتاً حيث كانت «الولايات المتحدة الأمريكية» وحدها هى الصوت الخامس عشر الرافض له، لذلك ولدت سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين وخضع المجتمع الدولى لمنطق القوة واختفت منه مظاهر الحق، وبينما تراجعت المنظمات الدولية تقدمت التحالفات العسكرية فى ظل تطور قواعد القانون الدولى الإنسانى التى يجرى تطويعها لكى تصبح «كالحق الذى يراد به باطل» فجرى تبرير التدخل الخارجى وانعدمت ضوابط المواجهة مع أطراف الأزمات فى عالمنا المعاصر، إننى لا أتباكى على التنظيم الدولى ولا أشارك فى تشييع جنازته فذلك أمر لا يبدو قريباً لأننا يجب أن نسلم بوجود حد أدنى من فوائده فهو يعطى مهلة ممتدة أمام المشكلات الدولية كما يعطى مبرراً للدول الصغرى فى الانتظار إذ إن لديها ملجأ عالميًا ومنبرًا دوليًا، وحتى على مستوى «جامعة الدول العربية» برغم محنتها وأزمتها وضعف تأثيرها إلا أنها تضمن على الأقل اجتماعين رئيسين لوزراء خارجية دولها مرتين فى العام الواحد أحدهما فى شهر مارس والثانى فى شهر سبتمبر فضلاً عن الاجتماعات الطارئة واللقاءات العابرة والندوات المتخصصة، بالإضافة إلى الآلية الجديدة لدورية انعقاد القمة العربية والتى أسهمت شخصياً فى الأعمال التحضيرية لقرارها وفقًا لاقتراح «يمنى» باركته دول الخليج وغيرها من دول «المشرق العربى» و«المغرب العربى» و«مصر» وكنت وقتها مندوباً لبلادى لدى «جامعة الدول العربية»، وها نحن نتابع الآن الدراسات الجديدة لتعديل ميثاق «جامعة الدول العربية» وتطوير آلياتها على غرار محاولات إصلاح «الأمم المتحدة» وترشيد نفقاتها، وأنا أعتز بأننى أول من دعا إلى عقد «قمة ثقافية عربية» فى أحد اجتماعات مؤسسة «الفكر العربى» منذ عدة سنوات ولكن الأمر تعطل رغم وجود قرار من القمة بذلك، ورأى السيد أمين عام الجامعة العربية الحالى أن الأمر يكفيه بند فى أحد مؤتمرات القمة ولا يحتاج إلى قمة منفردة تختص به وحده رغم أن العامل الثقافى فى العلاقات الدولية المعاصرة يتصدر سواه ويكفى أن ندرك أن «العولمة» و«صراع الحضارات» و«الحرب على الإرهاب» هى كلها قضايا ثقافية بالدرجة الأولى، ونحن نتطلع إلى تنظيم دولى معاصر يركز على دراسات التنمية الدولية والتبادل التجارى ونزع أسلحة الدمار الشامل والسعى بجدية نحو رفاهية الأمم والشعوب ونشر السلم ومنع الحروب، كما جاء فى ديباجة ميثاق «الأمم المتحدة» عندما كانت الآمال واسعة والأحلام بغير حدود.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة التنظيم الدولى المعاصر محنة التنظيم الدولى المعاصر



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon