مصطفي الفقي
مرّت علاقة «مصر» «بحركة المقاومة الإسلامية» بمراحل متتالية منذ نشأة الحركة وقد تأثرت تلك العلاقة بطبيعة النظام القائم فى «القاهرة» من ناحية ومواقف حركة «حماس» الدولية والإقليمية من ناحية أخرى، ولعلنا نرصد هنا الملاحظات التالية:
أولاً: إن العلاقات بين «مصر» وحركة «فتح» كانت ولا تزال تاريخية منذ البداية وذات خصوصية قد لا تتكرر، فحركة «فتح» التى بدأت فى أول يناير 1965 ورفعت «البندقية» شعارًا للتحرير بقيادة الراحل «ياسر عرفات» إنما ولدت فى فترة المد القومى وباركها الزعيم «جمال عبدالناصر» الذى قام بتقديم «أبوعمّار» للقيادة السوفيتية حينذاك باعتبارها مصدرًا للدعم السياسى والإمداد بالسلاح فى وقتٍ كانت فيه علاقات «موسكو» بالمنطقة ذات أهمية كبرى وأولوية واضحة، كما أن «عرفات» كان «مصرى الهوى» بحكم نشأته ودراسته مما عزز العلاقة «بالقاهرة» وجعله قريبًا منها باستثناء الجزء الأخير من حكم الرئيس الراحل «السادات» بعد زيارة «القدس» الشهيرة فى نوفمبر 1977.
ثانيًا: إن ميلاد حركة «حماس» تشوبه بعض المحاذير فقد ظهرت تحت مسمى «القيادة البديلة» كما كانت تسميها أوساط مختلفة وقتها بما فيها الدوائر الإسرائيلية، كذلك فإن الحركة أضفت على الكفاح المسلح طابع «الأسلمة»، ونحن لا ننكر بالمناسبة أن للصراع العربى الإسرائيلى أبعادًا روحيةً لا تبدأ «بالمسجد الأقصى» ولا تنتهى «بكنيسة القيامة»، فالقضية الفلسطينية هى قضية العالمين العربى والإسلامى بل وقضية دعاة الحرية فى كل مكان، إن «حركة حماس» التى تأسست على يد الشيخ «أحمد ياسين» ورفاقه وتلاميذه لم تولد فى أحضان الدولة المصرية رغم أنها حركة «غزاوية» والعلاقة بين «مصر» و«غزة» علاقة عضوية منذ فجر التاريخ كما أن الشيخ «أحمد ياسين» ورفاقه هم فصيلٌ سياسى ونضالى تربى على مبادئ «جماعة الإخوان المسلمين» وأفكارها، لذلك فإن علاقتهم «بمصر» تبدأ من «الجماعة» وإن كانت لا تنتهى بها، وأستطيع أن أزعم أن السياسة المصرية فى العقود الأخيرة قد حظيت بدعم حركة «فتح» وتأييدها فى وقتٍ كان فيها هناك شعورٌ «حمساوى» مكتوم يرى أن السياسة المصرية لا تمثل بالضرورة التوجه الفلسطينى المتشدد الذى يرفض الاعتراف «بإسرائيل» ويرى أن الكفاح المسلح هو الطريق الأوحد لتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية، ومع ذلك تمتعت «حركة حماس» مثلما هو الأمر بالنسبة لحركة «فتح» بتنسيق مستمر مع «القاهرة» وعلاقات وثيقة مع جهاز المخابرات المصرى، ومازلت أتذكر فى حديثٍ لى مع الراحل «عمر سليمان» عندما كنت أستفسر منه عن موقف الطرفين «فتح» و«حماس» من جهود التسوية أنه أشاد ببعض مواقف «حماس» فى ذلك السياق ولم يحملها وحدها تبعة انهيار الجهود فى ذلك الوقت، ولقد قدرت للرجل يومها موضوعيته وحياده القومى.
ثالثًا: توجست حركة «حماس» خيفة من سياسات الرئيس الأسبق «مبارك» وكانت تشعر أنه يريد التهدئة فى «غزة» بأى ثمن دون وضع مبادئ التسوية العادلة فى الحسبان، ولكن «مصر» حاولت فى ذلك الوقت أن تبذل قصارى جهدها لطمأنة الأشقاء فى «حركة حماس» وقد نجحت فى ذلك أحيانًا وأخفقت أحيانًا أخرى حيث كانت «دمشق» على الخط فى الجانب الآخر ثم دخلت دول أخرى مثل «قطر» فى المعادلة مما جعل العلاقة بين نظام «مبارك» وحركة «حماس» انتقادية مرتبكة فى مجملها حيث خضعت للشد والجذب على امتداد تلك الفترة ولم تكن الثقة المتبادلة بينهما على المستوى الذى يجب أن تكون عليه، وقد تدخلت أطراف كثيرة فى تلك العلاقة وتقاطعت معها كما لعبت «إسرائيل» كالمعتاد دورًا تخريبيًا حتى انعكس الخلاف بين «جماعة الإخوان المسلمين» ونظام «مبارك» على تلك العلاقة خصوصًا فى مراحلها الأخيرة.
وقد تفاعل الشارع المصرى مع «بورصة» تلك العلاقة صعودًا وهبوطًا خصوصًا عندما أصبح «معبر رفح» وانتشار الأنفاق بحيث تصور المواطن المصرى أن «حركة حماس» تستخف بسيادته وتعبث باقتصاده وتؤثر على أمنه، ولقد شهد المصريون ذات يومٍ عام 2008 اندفاع عشرات الآلاف من أبناء «غزة» عبر الحدود المصرية فى مظاهرةٍ لم تبرأ حركة «حماس» منها أو على الأقل لم تمارس ضغطًا لمنعها.
رابعًا: لم تستقبل القاهرة بارتياح نتائج الانتخابات الفلسطينية التى أعطت «حماس» الصدارة على المسرح السياسى الفلسطينى خصوصًا بعد رحيل «عرفات» وغياب «القيادة التاريخية المركزية» القادرة على توحيد الصف الفلسطينى، فاندلعت المواجهة الدامية بين حركتى «فتح» و«حماس» عام 2007 وكان موقف «القاهرة» متسمًا «بالهوى الفتحاوى» مع انتقاد إعلامى شديد لممارسات «حماس» فى «غزة» ورغبتها فى الاستئثار بالإقليم وشق وحدة الصف الفلسطينى، ثم بدأت «مصر» تلعب دور الشقيقة الكبرى كالمعتاد فى محاولة لرأب الصدع وتحقيق مصالحة فلسطينية يقبلها الطرفان، ولكن تلك الجهود لم تنجح وإن تكللت بانتصارٍ شكلى فى «لقاء القاهرة» بعد رحيل نظام الرئيس «مبارك» إذ أنه عندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير تنفست حركة «حماس» الصعداء بل إننى أتذكر أن الأخ «خالد مشعل» اتصل بى لمساعدته فى التوصل لحديث تليفونى مع السيد «عمر سليمان» لتهنئته بمنصب «نائب رئيس الجمهورية» حينذاك، وفى ظنى أن الحمساويين قد أيقنوا أنه لن يأتيهم نظام أسوأ من نظام «مبارك» فى التعامل معهم وهم لا يقولون ذلك علنًا لأنهم يؤكدون دائمًا أنهم بعيدون عن الشأن الداخلى فى مصر.
خامسًا: كان وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم فى «القاهرة» نقطة تحول نجم عنها التعاون الوثيق والتنسيق الكامل ـ السرى والمعلن ـ بين حكومة الجماعة وقيادات «حماس» الذين استبشروا خيرًا وحسبوا أن النصر بات وشيكًا وأن دعم «القاهرة» يأتيهم من شركاء الرحلة التاريخية، برغم أن سياسة الحكم الإخوانى تجاه القضية الفلسطينية هى فى رأيى ـ على الأقل ـ غير متطابقة مع الأهداف «الحمساوية» ولا الآمال الفلسطينية! لذلك تراجعت العلاقات بشدة بين «حماس» و«القاهرة» بعد 3 يوليو 2013 وأصبحت حركة المقاومة الإسلامية هى متهمٌ رئيس فى كثيرٍ من الجرائم الإرهابية التى وقعت فى «شمال سيناء» مؤخرًا وأصبحت أصابع الاتهام الرسمية والشعبية تشير إلى ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن هذه الملاحظات الخمس تؤكد أن علاقة «حماس» «بالقاهرة» تحتاج إلى ترميمٍ سريع يبدأ من جانب الأشقاء فى الحركة مدركين أن أصحاب القضايا العادلة لا يتخذون مواقف حدية وهم يناضلون على الأرض من أجل تحريرها وإقامة دولة مستقلة عليها.