توقيت القاهرة المحلي 02:18:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بورصة البشر

  مصر اليوم -

بورصة البشر

بقلم - مصطفي الفقي

كتبت أكثر من مرة فى استكشاف ما يمكن تسميته «بورصة البشر» وارتفاع أسهم بعض الأفراد أو حتى المؤسسات وهبوطها فى سوق الحياة العامة داخل الدول وفقًا لتغير الظروف، إذ إن بورصة البشر هى مؤشر هام يلعب فيه عنصر الزمن دورًا رئيسًا لا نستطيع إنكاره، فنحن نرى لشخصية معينة وزنًا بذاته خلال فترة محددة، ولكن هذا الوزن قد يتغير تغيرًا كبيرًا إذا ما برح المسؤول الكبير موقعه أو دارت الدوائر على وضع تمتع فيه بميزات لم تعد متاحة.

وكان أكثر ما لفت نظرى على امتداد سنوات خدمتى العامة، والتى تزيد على نصف قرن من ممارسات للعمل السياسى والدبلوماسى، الثقافى والإعلامى، الأكاديمى والتعليمى، البرلمانى والحزبى، وفى كل منها مواقع شغلتها فى حياتى خلال العقود الأخيرة، وتركت معظمها طوعًا أو كرهًا لكى أكتشف معادن البشر من حولى، فاكتشفت أننا ننتمى إلى منظومة نفسية معقدة يصفق الجميع لمن يملك السلطة ويتحامل الكل على من يتركها ويتحول حملة المباخر ومرددو الأشعار والأذكار فى مدح المسؤول إلى مُعادين له.

منتقدين لسياساته دون ترفع أو خجل، ويضربون بالدفوف للقادم الجديد ويتهللون لطلعته وهم أنفسهم الذين سوف ينتقدون ما فعل بعد أن يترك الموقع وتتحول إيجابياته التى طالما تغنوا بها إلى سلبيات يصبون عليه اللعنات بسببها، وتلك ظاهرة محزنة تشير إلى غياب الضمير وتدهور الأخلاقيات، كما أنها تؤكد أن بورصة البشر ترفع أسهم أصحابها بقدر ما يملكون من ثروة وما يحوزون من سلطة وما يمتلكون من أسباب القوة بمختلف أنواعها مالًا أو عصبية أو حتى تميزًا بدنيًا أو موهبة ذاتية، ولعلى أعترف الآن بأن هذا الهاجس الذى يؤدى إلى المقارنة بين الوضعين بارتفاع السهم وانخفاضه هو ما شعرت به عندما انتهت خدمتى فى مواقع مختلفة.

بدءًا من مؤسسة الرئاسة، مرورًا بوزارة الخارجية والبرلمان المصرى، ثم الجامعة البريطانية وغيرها، وصولًا إلى مكتبة الإسكندرية التى قضيت فيها سنوات خمس مديرًا لها، بدأتها بالوقوف داعمًا لسلفى تقديرًا له واعترافًا بفضله، ثم عكفت على توظيف تلك المؤسسة المصرية الدولية النادرة لخدمة الوطن وتعزيز المناخ الثقافى فى حوض البحر المتوسط، الذى يعتبر بحيرة الحضارات التى تطل على شماله وجنوبه وشرقه وغربه.

لقد اكتشفت بعد ذلك أن أقرب الناس حولى وأشدهم حماسًا لقراراتى وإشادة بإنجازاتى هم فى معظمهم الذين انقلبوا بين عشية وضحاها وتغيرت جلودهم بين يوم وليلة، ولا يقف الأمر عند حدودى كشخص يكتب عن تجربته الذاتية، ولكننى أقرأ ذات الأمر فى عيون كل الزملاء والرفاق من أبناء الأجيال المختلفة عندما تدور الدوائر وتتحرك مؤشرات البورصة، إذ إن تعاقب الأجيال وتداول السلطة ودوران النخبة لا يأخذ مجراه الطبيعى.

ولكنه يتحول إلى ميزات ممنوحة أو أخرى ممنوعة بحكم عجلة الزمن الذى يقول صوته دائمًا (إذا دامت لغيرك ما وصلت إليك)، إن بورصة البشر تشدنى إلى عامل الزمن الذى أود أن أكتب عنه كثيرًا، فلكل عصر رموزه، ولكل وقت قياداته، والذين يتصورون دوام الحال إنما يلعبون فى مجال المحال، بل إننى أحيانًا أشتم رائحة الزمن، فهذه رائحة الستينيات بما لها وما عليها.

وتلك رائحة السبعينيات بصخبها وضجيج الأحداث فيها، وقس على ذلك ما يعززه مسار الأحداث، حيث تعطى كل فترة زمنية إشارات تؤرخ لكل مرحلة وتوضح مسيرة كل فترة، فللعصر الملكى فى مصر مذاق خاص، ولأحقاب يوليو 52 نغمة مختلفة، كذلك فإن مصر- دولة ونظام حكم ومجتمعًا إنسانيًا- قد اختلفت كثيرًا بعد 25 يناير 2011 عن الفترات التى سبقتها، وبورصة البشر تتأرجح بشدة بعد أن رأى المصريون رئيس الدولة الراحل حسنى مبارك مستبدلًا بموقع الرئاسة وما يحيط به من هالات وأضواء مكانًا فى أحد السجون أو المستشفيات.

ونحن لا نحكم هنا على زعيم أو قائد إلا بظروف عصره والملابسات التى أحاطت بحكمه وعدسات البورصة التى رصدت ما جرى وحكمت عليه عدلًا أو افتراءً، إن العلاقة بين الفرد والمؤسسة تبدو جزءًا لا ينفصل عن مفهوم بورصة البشر التى تحدد موقع كل منهما تجاه الآخر وفقًا لدورة الزمن وتغير الظروف وتبدل الأحوال.. إنها بورصة البشر محكمة الزمان، وإرادة المكان ودورة الحياة!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بورصة البشر بورصة البشر



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon