توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التأرجح بين الانتماء الوطني والشعور القومي

  مصر اليوم -

التأرجح بين الانتماء الوطني والشعور القومي

بقلم - مصطفي الفقي

تكونت مفاهيم جيلى فى ستينيات القرن الماضى من أعمدة قومية كانت العروبة هى قاسمها المشترك، وقد ساعد على ذلك أننى التحقت فى دراستى الجامعية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى كانت تحظى بأعلى نسبة من الطلاب الوافدين ومعظمهم من العرب، وكانت الكلية فى ذلك الوقت شعلة نشاط سياسى وتألق فكرى سواء بالنسبة للأساتذة أو بالنسبة للطلاب، فكانت هناك نجوم لامعة فى سماء الوطن من أمثال الدكاترة رفعت المحجوب ولبيب شقير وزكى شافعى وبطرس غالى وعبد الملك عودة وفتح الله الخطيب، وغيرهم ممن كانوا نجومًا فى ذلك العصر ورموزًا لامعة فى مؤتمراته المختلفة.

فنشأنا نتغنى بالعروبة ونصفق لانتصارات عبد الناصر فى ذلك الزمان الحالم الذى كنا نعيش فيه أحلامًا وأوهامًا، فى مزيج مشترك من الحماس الشبابى الذى تأثر به الأغلب الأعم من المصريين حينذاك، وضاعت فى غمار ذلك- إلى حد ما- الروح المصرية الخالصة وبدأنا الانفتاح الواسع على الثقافات العربية والسياسات القومية، وكان بعضنا يستنكر الإشارة إلى مصريته قبل عروبته، وكنت شخصيًا ممن يعتنقون تعبير الأمة المصرية التى طرحتها ثورة الشعب عام ١٩١٩.

مؤمنًا أن مصر للمصريين بالدرجة الأولى، مقتنعًا فى قرارة نفسى بأن لا تعارض بين الاثنتين؛ العروبة والمصرية، فقد ظللت مقلًا فى استخدامى لتعبير الأمة المصرية فى لقاءاتى وفى كتاباتى احترامًا لذلك المنطق القومى الذى التزمنا به فى ذلك العصر الحالم، وذات مساء كنت أشاهد على شاشة التلفاز رئيسًا لبنانيًا جديدًا هو إميل لحود وهو يلقى خطابه الأول بعد أن أدى القسم رئيسًا للبنان، وفاجأنى باستخدام تعبير الأمة اللبنانية.

فقلت فى نفسى: لقد رفعت الأقلام وجفت الصحف وزال الحرج، وأصبح تعبير الأمة المصرية أولى بالاستخدام وأحق بالتعبير عنه؛ لأن الانتماء المصرى لا يتعارض مع الفكر العربى أو الإفريقى، بل إنه لا يتعارض مع الأديان فالعبرة بوحدة الأوطان، وكلما عاودت قراءة ذلك التعبير شعرت بسلامته لأنه يلخص بقوة ذلك التراكم التاريخى الكبير للحضارات والثقافات والديانات، كما أنه يشير إلى اعتزاز خاص بالثقافة والعسكرية المصريتين، ومظاهر القوى الناعمة التى أفرزت الوجدان المصرى عبر العصور.

ومازلت أتذكر حديث الأمير الراحل فيليب والد الملك تشارلز الثالث، الذى كان يستقبل مع قرينته الملكة وفود البعثات الدبلوماسية فى الحفلين السنويين؛ الشتوى داخل القصر، والصيفى فى حدائقه، وكنت حاضرًا لعامين متتاليين باعتبارى أصغر أعضاء السفارة، وفى حضور الملحق العسكرى والمستشار السياسى وكلنا نرتدى الملابس الرسمية لمثل تلك المناسبة البروتوكولية، وكان الأمير يسأل السفير المصرى: ما اسم بلدكم الآن؟، فأجابه السفير كمال رفعت لأول عام حضرته بأننا نمثل الجمهورية العربية المتحدة، وذلك بعد وفاة عبد الناصر بشهور قليلة.

وهنا تهكم الأمير بلغة صريحة على الاسم وقال: إن كلمة مصر لا يجب أن تختفى من اسم بلدكم، فهى الحضارة وهى التاريخ وهى الأديان، وفى العام التالى كان الرئيس الراحل السادات قد أصدر دستور عام ١٩٧١ الذى أقر تغيير الاسم إلى جمهورية مصر العربية، فإذا بالأمير البريطانى يكرر علينا ذات السؤال فى الحفلة التالية، مبديًا ارتياحه من ظهور اسم مصر، وقال لنا: إننا ندرس الشرق الأوسط باعتباره مصر والعرب، لأن لكم مكونًا ذاتيًا خاصًا. وكنت ألاحظ أن الملكة تشعر بحرج شديد لهذا الحوار الذى لم تتعود عليه الأعراف الملكية والبروتوكول البريطانى. وقد ثار جدل فى الفترة الأخيرة حول مصرية الكنانة، أو عروبة المحروسة.

وأصبح سؤال الهوية مطروحًا بغير مبرر، والقول عندى أن مصر هى سبيكة خاصة ذات هوية فريدة تجمع خصائص من كل طرف من أعمدتها السبع- كما وصفها د. ميلاد حنا فى كتابه الشهير- وهى أيضًا ذات عبقرية متميزة فى المكان وأيضًا فى الزمان، ولقد برع مؤرخ الجغرافيا العظيم جمال حمدان فى توصيف شخصية مصر على نحو يدعو إلى الاحترام والانبهار، إننا مصريون معتزون بمصريتنا ومؤمنون بالدور المحورى لوطننا، ونحن فى نفس الوقت نعتز بثقافتنا العربية ودياناتنا السماوية.

ونتطلع إلى يوم تستعيد فيه مصر مكانتها الحقيقية ودورها الريادى ومسارها القيادى، فهى قلعة عربية شامخة ورأس حربة إفريقية حاسمة، فيها الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية، فيها كل مظاهر الثقافة والأدب والفن، وهى كلها معطيات نشرتها مصر التى علمت وهندست وطببت فى أرجاء المنطقة؛ إيمانًا منها بأن مصر هى عمود الخيمة العربية المصرية الإسلامية، فلا تعارض إطلاقًا بين هذه المفاهيم، ولا ضير فى أن نقول إننا شعب عريق يمثل الأمة المصرية بتاريخها الطويل وتراثها الباقى وأمجادها التى لا تنتهى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التأرجح بين الانتماء الوطني والشعور القومي التأرجح بين الانتماء الوطني والشعور القومي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon