توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (22) (16 يناير 1996)

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 22 16 يناير 1996

بقلم - مصطفي الفقي

إنه تاريخ ميلاد جديد لى ولزوجتى وابنتى الصغرى، فقد عينت سفيرًا فى النمسا ومندوبًا لدى الوكالات المتخصصة هناك وسفيرًا غير مقيم فى دول ثلاث أخرى قريبة من العاصمة النمساوية، وذلك فى سبتمبر عام 1995 وكان الطقس معقولًا إلى أن مضى شهر أو أكثر قليلًا لكى أشعر بانقلاب شديد فى الأحوال الجوية، فمع بداية نوفمبر غطت الثلوج البيضاء شوارع المدينة النظيفة فى تلك العاصمة الحسناء، وإن كانت تفتقد الروح التى تعطيها حيوية لندن وباريس وروما وتجعلها كالفتاة رائعة الجمال، لكنها ليست خفيفة الظل، رغم أنها مدينة الموسيقى والفنون بتاريخها العريق، وأعلنت وزارة الخارجية النمساوية وقتها عن الرحلة السنوية التى تنظمها للسفراء الأجانب وعائلاتهم، وكان الاختيار فى ذلك الوقت هو منطقة جبلية فى الشمال الشرقى للبلاد.

وقد شاركت أنا وزوجتى وابنتى المقيمة معنا لأن الكبرى كانت قد تزوجت وتعيش بعيدًا بحكم عمل زوجها، وفى اليوم المحدد نشطنا فى الصباح الباكر من شهر يناير حيث درجة الحرارة متدنية للغاية والبرودة شديدة والرياح قوية ووصلنا بعد عدة ساعات بالأتوبيسات الفاخرة إلى الموقع الأول فى الرحلة وكان لا بد أن ننتقل بين جبلين ارتفاعهما شاهق بواسطة (التليفريك) المفتوح بلا حواجز مع السلك الكهربائى الواصل بين قمتى الجبلين الكبيرين، وبدأت زوجتى بالتحرك وبعدها ابنتى وتبعتهما كل فى (تليفريك) مفتوح مستقل على ارتفاع شاهق عن الأرض لا يقل عن ثلاثمائة متر ولم تلاحظ زوجتى ضرورة إغلاق (التليفريك) من ناحية القدمين وتبعتها ابنتى دون أن تلحظ ذلك أيضًا، ومضينا نحن الثلاثة والتليفريك يتحرك على السلك الكهربائى مفتوحًا وبدون رابط، ثم بدأنا نكتشف فى منتصف الطريق الذى لم يستغرق بكامله إلا عشرين دقيقة أننا مكشوفون تمامًا ومعرضون للسقوط إذا نظرنا إلى أسفل، وبدأت أصرخ لابنتى وزوجتى، لكنهما لم يستطيعا أن يفعلا شيئًا خصوصًا أنهما ترتديان معاطف ثقيلة تجعل الحركة صعبة وتسمرت أيادينا على حرف (التليفريك).

ومما زاد الطين بلة أن الكهرباء انقطعت فى المنتصف لمدة لا تزيد على أربع دقائق كانت تبدو كأنها نهاية العمر كله، ورأيت يدى تأخذ اللون الأزرق بالكامل والزملاء من السفراء وأسرهم على الضفتين يصرخون فى قلق وتتعالى أصواتهم بضرورة التماسك، وعندما وصلنا إلى الجانب الآخر ونزلنا على الأرض شعرنا بما يشبه الإغماء وأخذونا فورًا إلى حجرة دافئة وأتذكر أن يدى ظلت زرقاء ما لا يقل عن ساعة كاملة وكأنها مجمدة كقطعة الثلج، ومنذ ذلك اليوم وقد اعتبرنا أنا وزوجتى وابنتى سارة أن ذلك يوم ميلاد جديد أتذكره دائمًا بقلق وتوتر وأستعيد اللحظات الصعبة التى كنت أمر بها فى الانتقال بين قمة الجبلين على سلك كهربائى بدون ضمانات لتأمين تلك الدقائق الرهيبة فى حياتنا، ولقد كانت ابنتى تريد العودة إلى الوطن وكنت معترضًا، لكنى وافقت فور انتهاء الرحلة فسمحت لها بالعودة، حيث جرت خطبتها إلى زميل لها وتزوجت بعد ذلك بشهور قليلة، وآمنت أن القدر يرتب الأشياء كما لا يتخيلها البشر، وأن العمر مكتوب فى لوح محفوظ لا يتأثر بالمخاطر، إذ إن لكل أجل كتاب، إننى أحكى هذه القصة معترفًا بأهميتها فى حياتى، لأننى رأيت النهاية رأى العين.

وكنا موزعين نحن الثلاثة زوجتى وابنتى وأنا بين الرعب القاتل وعدم القدرة على اتخاذ موقف ما، (فالتليفريك) لا يرجع مرة أخرى إلا بعد أن يقطع المسافة، وليس لدينا إلا الاستسلام للقدر الذى كنا نبدو أننا على موعد معه، فليدرك الجميع أن مشيئة الله هى الأقوى وهى التى تحرك الأمور على الطريق المرسوم، ولقد مكثت فى فيينا أربع سنوات بعد ذلك غير متحمس للجليد والثلوج والجو البارد رغم أن الدولة النمساوية تبدو كلها كالتحفة وفى وسطها أيقونة هى مدينة فيينا التى أتاحت لى أن أجلس على مقعد (سيجموند فرويد) فى المقهى الذى كان يرتاده (مقهى لاندمان) فى وسط المدينة، وأن أقترب كثيرًا من الرئيس النمساوى الأسبق (كورت فالدهايم) الذى كان سكرتيرًا عامًا للأمم المتحدة لدورتين كاملتين حيث كنت آخذه بسيارتى من مقهى موزارت، حيث ألتقيه، بسيارتى إلى منزله القريب حينذاك من مقر إقامة السفير المصرى، وقد طلب منى كتابة مقدمة الطبعة العربية لكتابه المهم وقد فعلت.. إنها ذكريات تطفو على السطح ويبدو استخراجها من الأعماق أمرًا مفيدًا للصحة النفسية والعقلية على السواء!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 22 16 يناير 1996 اعترافات ومراجعات 22 16 يناير 1996



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon