بقلم - مصطفي الفقي
معقدة هى العلاقة بين المرأة والرجل! وواهم من يتصور أنه قد فهم أسرارها وأدرك مراميها، ففلسفة الكون تقوم على العلاقة بين الذكر والأنثى فى كافة المخلوقات، بل والكائنات كلها، ومصدر التعقيد فى العلاقة هو تبادل الأدوار، فالمرأة أحيانًا هى الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة، كما أن الرجل بدوره يمكن أن يكون هو الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن، وفى كل واحدة من هذه التقسيمات الإنسانية يختلف دور الطرفين وفقًا للمعادلة القائمة بينهما، وأنا شخصيًا ابن أسرة مترابطة لعبت فيها الأم دور المرأة الواعية شديدة المراس قوية الشخصية، بينما كان الأب هو ذلك الإنسان الطيب الذى يقطر سماحة ورضا، وعندما ارتبطت بزوجتى عام 1970 كان اختيارى متمركزًا على حسن الخلق واستقامة الشخصية على النحو الذى كان يفكر به أبناء جيلى بحثًا عن الاستقرار وتطلعًا إلى الدفء العائلى، ويقيس الزوج دائمًا حياته على منوال حياة أمه معه، فيحب طعامها، وينحاز إلى أساليب تفكيرها، ويظل العمر كله رهينة لذلك
ويستمد من ماضيه معها أسلوب التعامل فى المستقبل مع الشريكة الجديدة، خصوصًا أن الاثنين معًا- الرجل والمرأة- يحبان التملك مع السيطرة على رفيق العمر، فالرجل يبحث عن حنان المرأة، والمرأة تتطلع إلى أمان الرجل، لذلك فالزواج شراكة فريدة يعطى فيها الرجل أحاسيس الأمان ومظاهره، وتسعى المرأة من جانبها للحصول على ذلك الأمان المفقود، ولا يغيب عنا أن المرأة إذا طالت عشرتها برجل معين، فإنها تبدو أكثر تمسكًا به وحبًا له وتعلقًا بالأيام الخوالى فى بدايات العلاقة، بينما قد يصيب الرجل نوع من الملل ويدفعه الفضول إلى اختبار رجولته من خلال المضى فى بعض المغامرات أو النزوات التى قد يستنكرها المجتمع علنًا، لكنه يستغرق فيها سرًا، والفارق بين الشرق والغرب يكمن فى مكانة المرأة وقدرتها على الندية مع الرجل، فالشرق مجتمع ذكورى فى معظمه والغرب مجتمع منفتح فى مجمله، بل إن ضربات متلاحقة أصابت المجتمعات الغربية بعد طول تقدم، ومن مؤشرات ذلك كوارث «المثلية» والتحول النوعى وغيرها مما نشهده اليوم فى عالمنا المعاصر، وهو ما يكاد يطيح بالتقسيم الإلهى للأنواع ويدفع بأفكار مستحدثة تصيب الأسرة فى مقتل وتضرب المجتمع فى الصميم، أعود فاعترف بأننى بشر مثل غيرى يستهويه الجمال وتشده سمات خاصة فى الناس، خصوصًا إذا اختلطت دماؤهم بالأصول وتمازجت أعراقهم فى البداية، فأصبح بعضهن نموذجًا للتزاوج الثقافى الذى لا يخلو من فلسفة ولا يبرأ من تأمل.. إن الرجل الشرقى فى حيرة من أمره، فالمجتمع لا يطلق العنان أمامه فى التعددية- فى أغلب الأحيان- كما أنه مجتمع متحفظ لا يسمح بتجاوزات بعيدة عن روح الشرق وأساليب التفكير فى المجتمعات المحافظة، وهنا يصبح الرجل أمام معضلة أدت فى العقود الأخيرة إلى انتشار الزواج العرفى، كما أدت إلى انهيار كثير من الأسر وهدم كيان عائلات مستقرة، والأمر فى ظنى يستوجب المواجهة الشجاعة، إذ يكفى أن نكتشف أن 50% من حالات الزواج تنتهى بالطلاق فى السنوات السبع الأولى، وهو ما يعنى أن الاختيارات مندفعة، وأن الارتباطات هشة، نتيجة انعدام البيئة الصحية لإقامة العلاقات السوية بين الجنسين، وأنا أدعو صادقًا إلى ضرورة البحث فى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة فى بلادنا والتركيز على التوعية السليمة لنواكب الأجيال الجديدة على مسرح الحياة الزوجية، بحيث لا يقود الاختيار المبدئى انبهارا مؤقتا لا يلبث أن تزول دوافعه وتغيب مظاهره، بل أدعو إلى تشجيع ثقافة الحياة الأسرية وألغازها الغائبة، وفى مقدمتها الحب والجنس واحترام الآخر.. هذه زفرات من خلاصة العمر وتجاربه، وأنا أتذكر هنا كيف أن منعطفات الحياة وتحولات العمر كانت نسبية دائمًا تتعلق بنوازع بشرية تقوم على عشق الجمال النفسى والذكاء الاجتماعى والشخصية المتميزة، وليفكر كل منا فى رحلة عمره وعلاقته بالمرأة أمًا وزوجة، زميلة أو صديقة، ليدرك أن الأمر فى غاية التعقيد وأنه لا بد من العودة إلى طبيعة النفس البشرية والتعامل الأمين معها دون شعارات زائفة أو أفكار جامدة تبدو عصية على التطبيق فى الحياة البشرية العادية، فالإنسان عاشق الجمال بطبعه يميل إلى الألفة بتكوينه، وليتذكر الجميع أن النبى محمدًا صل الله عليه وسلم قد خاطب ربه قائلًا- فى معرض التمييز بين زوجاته- اللهم هذه قسمتى فيما أملك، فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك، وقد تمضى العاطفة أحيانًا فى تيار معاكس للعقل وتكون النتيجة بالغة التعقيد غاية فى الصعوبة، وتكمن المأساة فى الشائعات الكاذبة والادعاءات الزائفة التى يدفع ثمنها الرجل دائمًا وأسرته أحيانًا