توقيت القاهرة المحلي 02:23:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ازدواج الشخصية

  مصر اليوم -

ازدواج الشخصية

بقلم - مصطفي الفقي

أعترف اليوم بأننى- مثل غيرى- رجل شرقى مزدوج الرؤية تجاه كثير من القضايا الإنسانية والقواعد الأسرية؛ فأنا نصير المرأة فى المحافل الوطنية والمناسبات الدولية عن اقتناع عميق وفهم حقيقى، ولكننى أشعر أحيانًا أننى لا أمارس ذلك على المستوى العائلى مثل غيرى من رجال الشرق الذين يؤمنون بأن القوامة للرجل رغم أنها مرتبطة بمفهوم الإنفاق دون سواه، معتمدين على نصوص دينية مثل قوله تعالى فى آيات الميراث (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)، أو مفهوم الإباحة فى تعدد الزوجات، فالشرقى المسلم يفكر فى الأمر بطريقة مختلفة فيها نوع من السيادة (الجندرية) إذا جاز التعبير مع إنكار بعض حقوق المرأة أحيانًا، والغريب أن ذلك يحدث تحت مظلة دينية خصوصًا أن الكثير من التفاسير للذكر الحكيم هى حمالة أوجه، والعبرة فى النهاية بمقاصد الشريعة وليست بآراء الفقهاء فقط، والمرأة فى بلادنا مسؤولة أيضًا إلى حد كبير عن ذلك التمييز التلقائى الذى يعشش فى خلايا المخ للمرأة والرجل على السواء، فالأم ذاتها تميز فى الأغلب الأعم من الحالات بين الصبى والفتاة وتعطى للأول مكانة خاصة وميزة على أخته أو أخواته.


وترى أن ذلك الفتى هو مشروع رجل يقود الأسرة وتنكر على الفتاة نفس الدور، فتدلل الولد على حساب البنت وتنحاز إليه فى أعماقها بشكل ملحوظ، بينما قد تجور على ابنتها مرددة العبارة الشائنة: (اكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين!)، ولقد لاحظت من ترحالى وعملى فى الخارج أنه ليست المرأة المصرية وحدها ولا حتى المرأة المسلمة، هما اللتان تميزان الذكر على الأنثى داخل الأسرة، فعندما كنت فى بريطانيا ورزقنى الله بابنتى الكبرى وبعدها بعامين بابنتى الصغرى اكتفيت بهما راضيًا سعيدًا، وأتذكر يوم أن خرجت الممرضة من حجرة التوليد وأنا أجلس فى الصالون فى مستشفى (بادينجتون) لتبشرنى بوجه قلق عبوس بالابنة الثانية وهى لا تعلم أننى راض تمامًا ولم أفكر فى محاولة ثالثة بحثًا عن ولى العهد المزعوم، وقد اكتشفت أن المرأة عمومًا تنظر غالبًا لابنها الصبى نظرة علوية على شقيقته.

وإذا كان لديها اختيار فى فرص التعليم لأحدهما فإنها تتجه تلقائيًا إلى الولد، بل لعلنا نعلم جميعًا أن كثيرًا من العائلات المصرية الكبيرة خصوصًا فى الصعيد تورث الأرض لأبنائها الذكور وتعطى البنات بعض المصاغ أو النقود السائلة، ولكنهم لا يأتمنون على أرض الآباء والأجداد إلا الذكور ممن يحملون الاسم ويحافظون على ملكية الأرض حتى لا تتسرب لعائلات أخرى من خلال النسب والمصاهرة، ولقد روعتنى دائمًا تلك الازدواجية التى نمارسها لا شعوريًا مثل غيرنا من ذكور الأجيال السابقة حيث ننحاز تلقائيًا وبلا وعى ودون سند من منطق أو حقيقة إلى الابن الذكر ونميزه عن شقيقته، بل إن كثيرًا من العائلات تسرف فى الإنجاب انتظارًا لابن بعد عدد من البنات وقد تكون هذه الظاهرة أحد عوامل الانفجار السكانى فى بلادنا، ونتذكر الآن أن العرب فى الجاهلية كانوا يئدون البنات فى المهد انتظارًا لذكر قادم ذات يوم، وقديمًا قالت أعرابية مخاطبة زوجها:

ما لأبى حَمزةَ لا يَأتينا يَظلّ فى البيتِ الّذى يَلينا

غَضبان أَن لا نلدُ البَنينا تَاللَّه ما ذلكَ فى أَيدينا

فى مقارنة بينها وبين شريكة أخرى لنفس الزوج، وكثيرًا ما لفتت نظرى زوجتى وابنتاى إلى ذلك الازدواج الخفى الذى يقبع فى العقل الباطن، مرددات أن الرجل الشرقى، بل وربما الرجل عمومًا، لا يبرأ من تلك الخطيئة وأعنى بها التمييز اللاواعى بين الذكر والأنثى، فى الذرية على مر القرون، وأنا أعترف أن الوظيفة الذكورية مختلفة عن دور الأنثى فى الحياة، ولكننى أشدد فى ذات الوقت على المساواة المطلقة برغم كل الاختلافات حتى إننا نقول إن المواطنة هى المساواة بين بشر مختلفين جنسًا ودينًا ولونًا وقومية، إن الذين يمارون فى هذه الحقيقة ويرفعون شعارات براقة لا يدركون أحيانًا أنهم يعانون من ازدواج فى الشخصية، وقدر لا بأس به من تداخل الرؤية واللبس فى فهم الحقيقة، إننى أقول هذه الكلمات وقد عدلت كثيرًا فى مسار حياتى من هذه النظرة المزدوجة، وحاولت أن أكون مختلفًا على نحو يتفق مع الضمير والأخلاق، وأزعم أننى نجحت فى ذلك كثيرًا ولكننى أشعر بالظاهرة تطوق المجتمعات فى كل الأوطان والأديان، بل وفى ظل معظم الحضارات والثقافات!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ازدواج الشخصية ازدواج الشخصية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon