توقيت القاهرة المحلي 20:24:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المسكوت عنه فى الخطاب السياسى الجديد فى دمشق

  مصر اليوم -

المسكوت عنه فى الخطاب السياسى الجديد فى دمشق

بقلم : مصطفي الفقي

 لست من أنصار محاسبة نظام جديد على خطابه السياسى فى الأسابيع الأولى من وصوله إلى الحكم وتولى مسئوليات إدارة البلاد والعباد، فأنا من دعاة التريث فى وزن الأمور وتقويم الأوضاع، فقد أصابت الفرحة العارمة الغالبية العظمى من السوريين، وربما العرب أيضاً، بسبب زوال حكم فردى قام على تكميم الأفواه وإرهاب الشعب تاركاً له ميراثاً كبيراً من السجون والمعتقلات، بدلا من أن يترك لهم وطناً مستقراً وحياة طبيعية، فنظام الأسد لم يجد من يذرف عليه دمعة واحدة أو يودعه بكلمة طيبة، وعاد الشباب الثائر من «أدلب» فلم يجد مقاومة تذكر فى المدن السورية الكبرى حلب وحماة وحمص وصولاً إلى عاصمة الأمويين فى دمشق، ثم بدأنا نرى شخصية مختلفة لهيئة تحرير الشام فى ثوبها الجديد، وبالمناسبة فإننى لا أجد غضاضة فى تغيير النظم والمعتقدات لأصحاب المبادئ والأفكار، فالحياة تتجدد والرؤى تتغيّر، وقد يحدث ذلك أحياناً بما يصل إلى مائة وثمانين درجة للاتجاه الآخر، ولكن يجب ألا ننسى أن سوريا دولة مهمة ومتميزة فى عالمنا العربى ومركز ثقل فى غرب آسيا، بل وبؤرة صراع تاريخى فى الشرق الأوسط، وقد صدرت كتب كثيرة فى القرن الماضى تتحدث عن الصراع حول سوريا، وبرحيل نظام بيت الأسد الذى حكم سوريا لأكثر من نصف قرن من الزمان يكون من حق السوريين التفكير فيما هو قادم، بحيث لا تغطى الفرحة على الحقيقة ولا تطغى السكرة على الفكرة، ورغم أننى شخصياً متفائل نسبياً حول مستقبل سوريا القادم فإن لى بعض الملاحظات كمواطن عربى يحب سوريا بل ويعشق إقليم الشام بتاريخه الثقافى وتراثه الفنى والفكرى وبصماته القومية المهمة فى التاريخ العربى المعاصر، من هذا المنطلق فإننى أوجز ملاحظاتى المبدئية والقابلة للتعديل على ضوء المستجدات، فالجمود ليس ظاهرة سياسية صحية ولكنه يعكس نوعاً من تصلب الأفكار لدى البعض، بحيث لا يرون أبعد من أقدامهم، أقول صراحة ما يلى:

أولاً: نلاحظ خلو الخطاب السياسى للحكام الجدد من أى إشارة للروح القومية والنزعة العروبية بل والتركيز بشكل محدد على القطر السورى ولا بأس من ذلك، ولكننا لا نستطيع أن ننتزع سوريا ذلك البلد المهم من خريطته العربية وانتماءاته القومية.

ثانياً: إن الحديث عن إسرائيل فى الخطاب السياسى السورى الجديد يوحى بأنها دولة عادية فى المنطقة تجمعنا بها علاقات طبيعية ولا نتطلع إلى خلاف معها، رغم الأشلاء والدماء والمذابح والمجازر والخراب والدمار الذى تمارسه ضد الشعب الفلسطينى ثم اللبنانى ثم ضربها المباشر للبنية العسكرية السورية بدعوى القضاء على نظام الأسد، فيما هو قضاء على مقدرات الشعب السورى والبنية الأساسية العسكرية والمدنية له!

ثالثاً: تميز الخطاب السورى الجديد بالانتقاد المباشر للتدخل الإيرانى فى سوريا خلال فترة حكم آل الأسد وسيطرته على مقدرات الدولة السورية، والزج بها فى كثير من القضايا التى لم يكن مطالباً بها، خصوصاً أن الشعب السورى تسبق طبيعته القومية ولاءاته الدينية، وليس يعنى ذلك أن الأديان السماوية ليست متجذرة فيه، ولكنها ليست هى التى تحدد المسار السياسى له فى العقود الأخيرة.

رابعاً: إن تركيا هى الرابح الحقيقى من كل ما جرى، والتى تبدو مثل «أم العروسة» تقدم سوريا إلى المجتمع الدولى فى ثوبها الجديد بعد طرد الوجود الإيرانى وتكريس الجوار التركى، حيث استقبل المسجد الأموى الكبير المسئولين الأتراك فى إعلان مباشر عن العلاقات الجديدة بين الجمهورية التركية والنظام الجديد فى دمشق. وأنقرة تضرب بذلك عصفورين بحجر واحد إذ أنها تطبع العلاقات مع دمشق من جهة وفى الوقت نفسه تضمن تثبيتًا لأوضاع الأكراد فى ظل نظام سياسى يساوى بين الفئات والطوائف المختلفة فى دمشق كما يكرر قادته الجدد.

خامساً: إن إيران هى الخاسر القوى، ولكنها تسعى فى صمت وهدوء للاستفادة من هذه الخسارة للحصول على ضمانات تسمح لبرنامجها النووى أن يمضى فى طريق سلمى بعيداً عن المواجهات الدولية وسياسة الحصار التى عاناها الإيرانيون كثيراً، وتزداد دهشتى عندما أرى نوعاً من الارتياح الهادئ فى طهران تجاه سقوط نظام الأسد الذى كان عبئاً على كل من يعرفه!

إنه من السابق لأوانه إصدار أحكام نهائية على ما تحدث به قائد جبهة تحرير الشام العائد إلى دمشق «أحمد الشرع»، لأن الأمور ما زالت فى بداياتها والعبرة دومًا بما يتحقق على الأرض وليست بما يقال من تصريحات، وعلى العرب أن يدركوا أنهم يواجهون اليوم ظروفًا صعبة وملابسات متداخلة، محاصرين بين إسرائيل العدوانية، وإيران الجريحة، وتركيا والدب الروسى الذى لن يتخلى عن المياه الدافئة فى اللاذقية وطرطوس، والولايات المتحدة الأمريكية التى ترقب كل شيء عن كثب وترى أن ترامب سوف يتسلم تركة أثقل بكثير مما تسلمها سلفه بايدن، الذى كان يمثل واحدة من أضعف الإدارات الأمريكية فى العقود الأخيرة. وسوف نظل نرقب الأحداث يوماً بعد يوم آملين باستقرار القطر السورى الشقيق وإثراء الحياة الإقليمية والدولية بكل ما يتجه بها نحو أجواء الحرية الحقيقية ومظاهر الأمن والأمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسكوت عنه فى الخطاب السياسى الجديد فى دمشق المسكوت عنه فى الخطاب السياسى الجديد فى دمشق



GMT 12:04 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الصراع على سوريا.. أين نقف بالضبط؟

GMT 12:01 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الذكاء الاصطناعي مطوعا في هيئة الأمر بالمعروف

GMT 11:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

جيمي كارتر... قصة نجاح وقصة فشل

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الرنتيسي منجما ولا ليلى عبداللطيف!

GMT 11:50 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 09:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025.. الإجابات

GMT 07:48 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:53 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
  مصر اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 18:06 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك يشوّق جمهوره لـ مطعم الحبايب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon