توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (21) طريقة العرض

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 21 طريقة العرض

بقلم - مصطفي الفقي

قال الحكماء: (إن الحياة ليست فقط حقيقة ولكنها أيضًا طريقة)، ولقد اكتشفت من تجربتى فى العمل ثمانى سنوات فى مؤسسة الرئاسة على مقربة من صانع القرار والرجل الأول فى البلاد، أن طريقة العرض عليه تحتاج إلى ضمير حى ونفسية شفافة وخلق نظيف لا يتلون وفق هوى الحاكم ولا يتغير بسبب مشاعره، ولقد عرضت على الرئيس الراحل كثيرًا من المعلومات والأخبار بما يسمح له بأن يتخذ القرار العادل والرأى الصحيح دون جنوح أو ظلم أو افتراء.

وما زلت أتذكر بعض القصص التى تعين على فهم ما أريد أن أقول، فقد ترشح سفير مرموق فى وزارة الخارجية لمنصب رئيس الجمهورية- قبل تعديل المادة 76 من دستور عام 1971 التى كانت لا تعطى للمواطن العادى حق التقدم لمجلس الشعب طلبًا لترشيحه دون سابق إعداد أو ترتيب، على أساس أن اختيار الرئيس كان يتم فى ذلك الوقت بالاستفتاء وليس بالانتخاب- واعتبر الكثيرون أن السفير المرشح وهو الراحل د.طه الفرنوانى قد أقدم على عملية انتحار سياسى بترشيح نفسه أمام الرئيس وكأنما يبشر من جانب واحد باختيار الرئيس بالانتخاب وليس بالاستفتاء كما ينص الدستور حينذاك، ولقد شعر الرئيس الراحل بأن تصرف الفرنوانى لا ينم عن محبة لشخص الرئيس ويمثل تحديًا ساذجًا له، وشعرت أنه طوى النفس على شىء من الضيق تجاه ذلك التصرف، خصوصًا أنه اعتقد أن السبب فى ذلك هو ترشيح الخارجية للفرنوانى سفيرًا فى السودان وقد كان سفيرًا فى زامبيا من قبل، وتوقع أن يذهب إلى عاصمة أفضل فى الحياة المعيشية رغم أهمية السودان بالنسبة لنا والتى لا تحتاج إلى شرح.

وقد اتصل بى ذات صباح السفير مجدى صبرى- وقد كان نائب أحكام فى القضاء العسكرى مثل الفرنوانى قبل التحاقهما بالخارجية- وقال لى: إن نتيجة امتحان السلك الدبلوماسى قد أصبحت جاهزة وقد علمت بذلك من خلال اتصالاتى - على حد قوله- وأن محمد طه الفرنوانى هو أول الدفعة ولكن هناك من يتشكك فى إمكانية قبول الرئيس لهذه النتيجة، وكان يمكن أن أذهب إلى الرئيس قائلًا: إن ابن السفير الفرنوانى الذى رشح نفسه أمامكم قد نجح فى امتحان الخارجية ولكن الأجهزة حجبت النتيجة لاستطلاع رأيكم أولًا، ولأننى أعلم أن طريقة العرض يمكن أن تؤدى إلى إحدى النتيجتين الأولى هى القبول بالنتيجة والارتياح لوصول الشاب المصرى إلى هذا المستوى، خصوصًا أننى أعرفه طالبًا درّست له من قبل فى الجامعة الأمريكية، وإما أن يرفض الرئيس بشدة النتيجة ويبدأ بحملة انتقاد عنيفة ضد والده السفير، فدخلت على الرئيس فى ابتسامة هادئة وقلت له: بسم الله ما شاء الله يا سيادة الرئيس، إن ابن السفير طه الفرنوانى هو الأول على دفعة الملحقين الدبلوماسيين الجدد بفارق كبير، ولقد كان الأول دائمًا أيضًا فى الجامعة الأمريكية، فوجدت الرئيس يبتسم فى سعادة ويقول: إنه أفضل من أبيه وقطعًا سوف يكون سفيرًا ذات يوم فى دولة يستحقها.

واعتبرت الروح الطيبة التى أبداها الرئيس بمثابة موافقة على النتيجة وأبلغت أصحاب القرار بذلك فجرى اعتماد النتيجة من وزير الخارجية دون تغيير، وقلت فى نفسى سبحان الله إن طريقة العرض على الرئيس أو حتى المسؤول الكبير تعتمد على أسلوب العرض الذى يمكن أن يؤدى إلى نتيجتين متعارضتين تمامًا، فقد يقول من يعرض على ولى الأمر كلامًا عادلًا وصادقًا يجعله يدفع بصاحب الحاجة إلى أعلى المراتب، أو يقدم له صورة سلبية بلا خلق ولا ضمير تجعله يقذف به فى سلة المهملات، إنها بحق طريقة العرض التى تحتاج إلى معلومات أمينة وتحليل صادق وعرض موضوعى.

وهأنا ذا أعترف اليوم بأننى وطّنت نفسى فى العرض على صاحب القرار أن أنحى جانبًا كل مشاعرى الشخصية وأحاسيسى الخاصة وأن أتصرف بحياد وصدق وضمير عادل، ولقد أدى ذلك إلى أنى قضيت سنوات عملى فى مؤسسة الرئاسة لم أظلم أحدًا ولم أزيف حقيقة ولم أعط خبرًا مغلوطًا ولم أقم بعملية تقديم أو تأخير فى العرض لصالح أصحابه أو ضدهم؛ لذلك خرجت محبوبًا من كافة من عرفت، مقبولًا من كل من تعاملت معهم، وتلك فضيلة أتذكرها وأحمد الله عليها، وأنبه إلى خطورة أمانة العرض خصوصًا على صاحب القرار الكبير!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 21 طريقة العرض اعترافات ومراجعات 21 طريقة العرض



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon