توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرحيل في ليلة القدر

  مصر اليوم -

الرحيل في ليلة القدر

بقلم - مصطفي الفقي

عندما يرحل مسؤول فى السلطة قد تهتز له المنابر وتُكتب القصائد ويذكره الناس بصوت مرتفع، أما عندما يرحل فى هدوء وينسحب من الحياة بعد أن أصبح فى الظل فتلك مفارقة تحتاج التأمل، وأنا أتذكر مثلًا أن الفقيه القانونى رفيع الشأن أحمد فتحى سرور الذى انسحب من الحياة فى ليلة القدر كان يملأ قاعات المحاضرات وساحات المحاكم وأعمدة الصحف بحكم كفاءته العالية وذكائه الحاد وعلمه الغزير.

لكنه مضى إلى رحاب ربه تاركًا تلك الثروة العلمية والعملية مؤكدًا ما قاله الشاعر (يموت راع الضأن فى جهله ميتة جالينوس فى طبه)، ولقد تعاملت مع الراحل لسنوات عشر على الأقل قضيتها رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى وبهرنى بقدرته على تخريج المواقف وتجميل الأحداث وتجنب المشكلات بحنكة وبصيرة.

وعندما قام النائب- حينذاك - المستشار مرتضى منصور محتجًا على جلوس الوزراء فى الصف الأول بينما يجلس باقى النواب وراءهم برر ذلك الدكتور فتحى سرور تلقائيًا بقوله عن مقاعد الصف الأول إنها ليست مقاعد مميزة، لكنها مقاعد مخصصة! كما كان الرجل أسطورة فى القانون الجنائى على المستوى الدولى والوطنى والمحلى، وقد قضى حبيسًا فى السجن لفترة بعد ثورة 25 يناير عام 2011، لكنه صرف ذلك الوقت فيما يفيد العلم والقانون.

فاستكمل موسوعته الكبرى فى القانون الجنائى التى تقف تالية لموسوعة السنهورى باشا فى القانون المدنى، ولقد زرت لبنان منذ أعوام قليلة واستقبلنى الأستاذ نبيه برى رئيس مجلس النواب والزعيم السياسى المعروف وبينما كنا نتحدث فى مكتبه سألنى عن الدكتور فتحى سرور وأحواله وصحته وقال لى: لقد كنت منزعجًا تمامًا عندما جرى حبسه فى غمار أحداث الثورة لأن الرجل أسدى خدمات جليلة لأمته ووطنه وللقانون والعدالة.

وأضاف أنه فى اجتماعات البرلمان الدولى كان إذا سأل الدكتور فتحى سرور سؤالًا عن آثار قضية ما فإن الكل يصمت ويسحب رؤساء البرلمانات العربية استفساراتهم لأن الرجل قد ناب عن الجميع فيما يريدون قوله، ولقد تبوأ الراحل الكبير رئاسة عدد من البرلمانات الدولية على التوالى بدءًا من البرلمان العربى والبرلمان البحر متوسطى وصولًا إلى البرلمان الدولى الذى وصل إلى قمته باسمه وبمكانة مصر فى العالم المعاصر.

وأتذكر أنه اتصل بى ذات صباح وقال لى إنه قد تلقى دعوة من الحكومة الإسرائيلية ليمثل مصر فى العيد الفضى لاتفاقية السلام وذلك عام 2004. وأضاف أنه تم عرض الأمر على الرئيس مبارك الذى قال: إن مصطفى الفقى يذهب هو ليمثل البرلمان المصرى اكتفاءً بمستوى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بدلًا من رئاسة البرلمان كله، ولم يكن لدى مانع فى الذهاب شريطة أن تتاح لى كلمة أسجل فيها إدانة علنية من داخل إسرائيل على الجرائم التى يرتكبونها ضد الشعب الفلسطينى فى العقود الأخيرة.

لكن الجانب الإسرائيلى قال: إن ممثل البرلمان المصرى سوف يجلس إلى جانب إرئيل شارون، رئيس الوزراء، لكن دون أن يعطى الكلمة، ولقد تعللت بهذا الرفض واعتذرت عن الذهاب وغضب الرئيس على لفترة حتى اغتال الموساد الشيخ أحمد ياسين ثم نائبه عبدالعزيز الرنتيسى فى أسبوع واحد، وعندما عادت المياه إلى مجاريها مع الرئيس قال لى: هل أثر فيك ما كتبه عادل حمودة ومصطفى بكرى تحذيرًا من الذهاب إلى إسرائيل؟!، فقلت له: سيدى الرئيس ربما كان الأمر كذلك، لكن حالتى النفسية وتاريخى الشخصى لا يسمحان لى بأن أذهب إلى إسرائيل كالآلة الصماء دون أن أتحدث.

فقال لى: معك حق، لكنك تهربت من المهمة بطريقة أعرفها عنك متعللًا بآلام الركبتين، وأردف قائلًا: إن تصرفات الإسرائيليين لم تكن تستحق الزيارة لا من الدكتور سرور ولا منك. وقد ظلت علاقتى بالدكتور فتحى سرور علاقة طيبة وشاركت فى الاحتفال بعيد ميلاده التسعين وكنت دائم التواصل معه، فقد كان الرجل يحمل عقل عالم كبير وقلب طفل طاهر يألف الناس ويغشى المجالس ويبدو نموذجًا لرجل دولة من طراز رفيع.. رحمه الله وغفر له جزاء ما قدم للأمة العربية والدولة المصرية من خدمات جليلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرحيل في ليلة القدر الرحيل في ليلة القدر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon