بقلم - مصطفي الفقي
يقع في القرية الذكية ذلك المركز الفريد من نوعه في المنطقة العربية، وربما في الشرق الأوسط كله، فهو ذلك المركز الذي أنشأه مثقف مصرى رفيع الشأن، هو الدكتور فتحى صالح، الذي كان مندوبًا لمصر في اليونسكو، قبل أن يصبح مستشارًا لمكتبة الإسكندرية في شؤون التراث وحفظه، فهو أستاذ في الهندسة استطاع أن يُحيل الفكر إلى معادلات وأرقام، وأن ينجح في الصعود بالتراث التاريخى إلى مصافّ الرياضيات والعلوم الحديثة، وهو سليل عالِم أزهرى مرموق، لذلك ارتبط شغفه الثقافى متأرجحًا بين الفكر والعلم معًا، ونفذ منهما بتضفيرة رائعة يشعر بها القادم إلى هذا المركز الرائع، الذي تديره مكتبة الإسكندرية منذ سنوات، بعد أن أسسه الدكتور فتحى صالح، وشاركه في ذلك رهطٌ من المتخصصين في هندسة الاتصالات وعلوم الحاسب الآلى والمعنيين بالتراث الفريد للوطن المصرى. وأتذكر أنه كان من أبرز مساعديه زميلة فاضلة تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،
واقترنت منذ سنواتها الجامعية بأستاذ أساتذة العلوم السياسية، العميد الوزير الدكتور على الدين هلال، صديق عمرى أنا شخصيًّا، الذي أعتز به وأفاخر، وأعنى بها السيدة المتميزة، المعنية بالتراث وأبحاثه، الأستاذة إجلال بهجت، لذلك فإن مركز توثيق التراث في القرية الذكية يحمل بصمات المصريين والمصريات ذوى التخصص الجاد من حُماة الإرث الإنسانى والوطنى وحراس الفكر وفرسان المعرفة، ولا شك أن ذلك المركز في القرية الذكية هو إضافة مهمة وإيجابية لمكتبة الإسكندرية، التي تمثل بدورها غطاءً دوليًّا له، وما أكثر الزوار الذين يسعون إليه، من وزراء أفارقة ومسؤولين عرب وشخصيات دولية من المتخصصين في قضايا حفظ التراث والمسائل المتصلة بالتطور التكنولوجى في هذا المجال الإبداعى، الذي يسعى إليه كل مَن يعرفون قدره ويدركون أهميته، فالسينما الدائرية ثلاثية الأبعاد المسماة (كاتشوراما) هي مصدر اعتداد للمركز الذي نشرها على خريطة الوطن، بل خارجه إلى بعض الدول الإفريقية الشقيقة، وينفرد مركز حفظ التراث على مشارف القاهرة بأنه أضحى امتدادًا طبيعيًّا للمكتبة وأيقونة تحرص عليها وتنفق بغير تردد على صيانتها والدعاية لها، فلقد أصبح التاريخ المصرى قديمه وحديثه مُعلَّبًا على أحدث طرق التكنولوجيا المعاصرة، بل إن مجلس رؤساء القطاعات في مكتبة الإسكندرية قد قرر، في اجتماعه منذ شهور، ترشيح العالِم الكبير، فتحى صالح، لجائزة النيل العليا في العلوم الاجتماعية لهذا العام اعترافًا بفضله وتقديرًا لهذا المركز المتميز الذي أنشأه وحافظ عليه، ويضم المركز مجموعة متميزة من العلماء والمتخصصين في كافة فروع المعرفة مع الارتباط الوثيق بين التراث الفكرى والإبداع التكنولوجى على نحو يبهر كل مَن زار ذلك المكان أو عرف عنه ما يجب أن يكون، ويجذب المركز عددًا كبيرًا من الباحثين والباحثات من الجامعات المصرية والوزارات المعنية، وفى مقدمتها وزارة السياحة والآثار ووزارة الاتصالات، حيث يسعى الجميع إلى دعم المركز واستمرار عطائه وتوافد أجيال جديدة من الفنيين عليه لأنه يستقطب الخبرات ويستخدم أحدث الوسائل العلمية والفنية في التكنولوجيا المعاصرة.. تحية لذلك المركز الفريد، الذي تتشرف مكتبة الإسكندرية بانتمائه وانتسابه إليها، مبعث فخار ومصدر اعتزاز للمصريين جميعًا في هذه المرحلة التي ينهض فيها الوطن رغم كل التحديات وكافة المصاعب.