توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمام محمد سيد طنطاوى

  مصر اليوم -

الإمام محمد سيد طنطاوى

بقلم: مصطفي الفقي

رحل عن عالمنا عام 2010 عندما فاضت روحه إثر أزمة قلبية بالمطار أثناء العودة من حضور أحد المؤتمرات في المملكة العربية السعودية، وجرى دفنه في الأراضى المقدسة، وقد كان رحمه الله من أكثر شيوخ الأزهر إثارة للجدل ومرورًا بالصراعات المختلفة التي أحاطت بظروف توليه منصب الإفتاء أولًا قبل أن يكون صاحب المقام الدينى الرفيع شيخ الجامع الأزهر.

وهو ابن نابه لصعيد مصر، وكانت أطروحته في الدكتوراة حول موضوع «اليهود في القرآن الكريم»، لذلك لم تخل مسيرته من مناوشاتٍ بلغت حد الانتقاد أحيانًا لاستقباله بعض اليهود من رجال الدين أو رجال السياسة، فلقد كان الإمام الراحل واسع الأفق مستعدًا لقبول الأفكار الجديدة وفقًا للتطورات المختلفة حتى جرى اتهامه أحيانًا بأنه يتماشى مع سياسات الدولة قبل الأخذ بالاعتبارات المتصلة بالمؤسسة الإسلامية الكبرى التي يقودها، ولقد اقتربت من ذلك الإمام الراحل كثيرًا في مناسباتٍ متعددة بحكم عملى في مؤسسة الرئاسة، وأتذكر مرة أنى كنت أجلس بجانبه في طائرة هليكوبتر أثناء عودتنا من الاحتفال الرسمى برفع العلم المصرى فوق منطقة طابا، وأنه قال لى يومها «أريدك أن تُبلغ الرئيس من فضلك رسالة شفهية منى»- وكان وقتها هو المفتى قبل تولى المشيخة- قال فضيلته إنه ذهب إلى قريته في الصعيد وسأل عن العائلات القبطية فيها، فوجدها جميعًا قد هاجرت خوفًا من موجات التطرف وهربًا من بطش من يحرضون عليهم ويعتدون على دور العبادة الخاصة بهم، وأنه اكتشف أن عم عيسى النجار قد هاجر إلى الخارج، وأن عم كرم الصراف أخذ أولاده ورحل إلى أسيوط، وبدأ ذلك الشيخ الجليل يقول لى إن الإسلام دعانا إلى الترفق والاحترام الكامل والتعايش المشترك مع أهل الكتاب.. فكيف يحدث ذلك في هذا العصر؟!.. لذلك فإن علاقة الدكتور سيد طنطاوى بقضايا الوحدة الوطنية كانت واحدة من أرفع الأوسمة التي حملها ذلك الإمام الراحل. وأتذكر أنه عندما قيل إن سيدة مسيحية قد هجرت حياتها حين أشيع أنها تنتوى إشهار إسلامها لأسبابٍ عائلية وثار وقتها لغطٌ شديد حول هذه الحادثة لحساسيتها لأنها كانت زوجة كاهن إحدى الكنائس في محافظة البحيرة، وفى غضون تلك الأزمة واحتدامها تلقيت منه اتصالًا تليفونيًا يقول لى فيه بالنص (يا دكتور مصطفى أريد منك والدكتور أسامة الباز أن تذهبا معى لتَسلُم هذه السيدة الفاضلة من الجهة الأمنية التي لاذت بها وتسليمها إلى مكتب قداسة البابا شنودة، لأن ما حدث لا يضيف للإسلام فردًا ولا ينتقص من المسيحية سيدة، إنما هي فتنة عابرة وقانا الله شرها).

ولقد اتصف أيضًا بالحكمة وبُعد النظر وصدق الإيمان وتنفيذ تعاليم الإسلام الذي يقول قرآنه العظيم (لا إكراه في الدين)، وقد تكفلت شخصية قبطية نشطة في مجال العلاقات العامة بتسليم تلك السيدة إلى الكنيسة، وبذلك جرى انتزاع فتيل أزمة شديدة الحساسية بالغة التعقيد.

وقد كان للإمام الأكبر الطنطاوى دورٌ حصيف في مسار الأزمات المتعددة ذات الطابع الطائفى التي جرت في ذلك الوقت، ولأن الرجل- رحمه الله- كان صاحب نظرةٍ بعيدة في قضايا الصراع الإقليمى والعلاقات بين الإسلام والبنوك، فقد جرى اتهامه كثيرًا بأنه إمام حكومى ينفذ ما تراه الدولة، بعكس سلفه الإمام جاد الحق.. والذين يقولون بذلك إنما يظلمونه كثيرًا، فالرجل لم يستفد من منصبه بل أقحمت عليه معارك عديدة كان عليه أن يخوضها، وإن كنت آخذ عليه رحمه الله أنه كان عصبيًا حاد المزاج في بعض القضايا التي تمسك فيها برأيه حتى لجأ إلى القضاء المصرى كثيرًا في خصوماته مع بعض الشخصيات المصرية البارزة، أذكر منها خلافه الشهير مع الكاتبين الكبيرين عادل حمودة ومحمد الباز بشأن كاريكاتير صحفى ينتقد زيارة شيخ الأزهر لبابا الفاتيكان دون ترتيبٍ كافٍ أو تمهيد يضمن نجاح تلك الزيارة، خصوصًا أن مواقف الفاتيكان وقتها لم تكن على المستوى المطلوب، ولقد تدخلت بحكم صداقتى الطويلة مع الأستاذ عادل حمودة، ولكن الشيخ كان عنيدًا ومتشددًا ورفض المصالحة حتى استدعيت للشهادة أمام المحكمة، فطلبت فيها تسوية الموقف وديًا، ولكن الشيخ أبى وأصر على تنفيذ الحكم بعد ذلك بتغريم الصحيفة مبلغًا ماليًا كبيرًا.

ويبقى ذلك الإمام الراحل في ضمير أمته الإسلامية عالمًا جليلًا وإمامًا فاضلًا، خلفه بعد رحيله الإمام الحالى فضيلة الدكتور أحمد الطيب.. إنها كوكبة من العلماء العظام أحتفى بهم في شهر رمضان تكريمًا وإعزازًا واعترافًا بالفضل

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمام محمد سيد طنطاوى الإمام محمد سيد طنطاوى



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon