توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

  مصر اليوم -

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة

مصطفي الفقي

كنت قد قررت فور وصولى إلى العاصمة البريطانية أن اختار موضوع أطروحتى للدكتوراه حول إحدى قضايا العلاقات الدولية المعاصرة، وكنت أسعى إلى دراسة سياسات طويلة المدى لإحدى القوى الكبرى فى العالم، مع التركيز على الجوانب الاستراتيجية التى لا تبتعد كثيرًا عن العلاقة بين الإدارة الدبلوماسية والقوة العسكرية، فقد كنت مفتونًا وقتها بموازين القوى فى الصراع العربى الإسرائيلى والدعم الغربى المطلق للدولة العبرية على حساب الحقوق الفلسطينية ولكن لقائى بالبروفيسور «فاتيكيوتس»، أستاذ العلوم السياسية، بناءً على نصيحة من الإعلامى والدبلوماسى الراحل «تحسين بشير» جعلت الأستاذ البريطانى الجنسية اليونانى المولد يدعونى إلى اختيار موضوع يتصل بالنظام السياسى المصرى وتطوره الحديث، وأضاف قائلًا لى: إن عندك «ميزة نسبية» أنت وغيرك من المصريين فى أن تدرسوا عن وطنكم لأن لديكم مصادر قد لا تكون متاحة لمن يدرسون أوضاعه من غير أبنائه، ولأن بوادر الاضطرابات الطائفية قد ظهرت بعد رحيل الرئيس «عبدالناصر» والبابا «كيرلس السادس» ومجىء رئيس جديد للدولة وبابا جديد للكنيسة، فقد دفعتنى إلى انتقاء موضوع يتصل بالعلاقة بين المسلمين والأقباط فى «مصر» عبر مراحل التاريخ الحديث، مع التركيز على دورهم فى الحياة السياسية، وكنت قد قرأت باستمتاع كتاب المستشار «طارق البشرى»، وهو قانونى ومؤرخ، ووجدت فيه إيحاءات مضيئة تدعو إلى مزيد من الدراسة ومواصلة البحث، ولقد اتخذت من السياسى المصرى القبطى «مكرم عبيد» (حالة دراسية) لأنه كان سكرتيرًا عامًا لحزب الأغلبية «الوفد»، كما أنه تمتع برصيد شعبى كبير لأنه خرج من إطار الطائفة الدينية إلى إطار الساحة الوطنية، وعكفتُ سنوات على جمع المادة العلمية، خصوصًا فى الجزء النظرى للأبواب الثلاثة الأولى من الرسالة والتى تركزت حول تاريخ الأقباط وفرادة وجودهم وأدوارهم عبر مراحل التاريخ المختلفة، ووقفت قلقًا أمام دور «المعلم يعقوب» مع الحملة الفرنسية على «مصر»، حيث أعطوه رتبة «جنرال» لأنه كان داعمًا لهم ومناوئًا للمقاومة المصرية ضدهم، ولكن قلقى زال وثقتى فى الوحدة الوطنية المصرية تعززت عندما اكتشفت أنه لم يجد دعمًا من الشباب القبطى فى ذلك الوقت، بل إن بابا الأقباط استهجن فعلته واتهمه بـ«الهرطقة»، وعندما خرج الفرنسيون من «مصر» اضطر الجنرال «يعقوب» أن يلازمهم حيث مات فى الطريق إلى «مارسيليا»، وألقى الفرنسيون بجثمانه فى عرض البحر، فـ«مصر» عصيّة بتكوينها على الطائفية البغيضة ولديها عقل جمعى- إسلامى ومسيحى- يحول دون ذلك، وعندما عدت إلى «مصر» والتحقت بمؤسسة الرئاسة كلفنى الرئيس الأسبق «مبارك» بمتابعة ملف العلاقة بين الكنيسة والدولة وحل المشكلات التى تطرأ والوقاية من الأزمات المحتملة، ولقد ظل الرئيس الأسبق يوفدنى للبابا «شنودة» بشكل منتظم، خصوصًا فى أوقات الأحداث الساخنة بين المسلمين والمسيحيين فى بعض مناطق الدولة المصرية، وكان الرئيس الأسبق يفعل ذلك حتى بعد ما تركت مؤسسة الرئاسة، فظللت بتوجيه منه قريبًا من هذا الملف شديد الحساسية بالغ الأهمية، ولقد جمعتنى بالبابا «شنودة» لقاءات طويلة وكان رحمه الله يثق بى ويأنس للحديث معى، وأتذكر أنه حكى لى شخصيًا قصة خلافه مع الأب «متى المسكين» واستثمار البعض لذلك الخلاف عندما أبعد الرئيس «السادات» البابا «شنودة الثالث» عن مقره فى الكاتدرائية ليذهب إلى منفاه الاختيارى فى الدير بعدما سحبت الدولة اعترافها بالخاتم الرسمى الممهور باسمه كبابا للأقباط، ولم يكن البابا «شنودة» يحمل مرارة لا تجاه الرئيس «السادات» ولا تجاه الأنبا «متى المسكين»، وبالمناسبة فقد تلقيت دعوة للمشاركة فى ذكرى الأب «متى المسكين» يقيمها مركز «الجيزويت» فى «الإسكندرية» خلال الأسابيع القادمة، وبعد زياراتى للكنيسة ولقاءاتى مع بابا الأقباط تكرست بيننا صداقة قوية حتى إنه كان يتصل بى فى عيد ميلادى ويتذكره دائمًا لأنه يوافق يوم عيد جلوسه، وكان الرئيس الأسبق «مبارك» يعلم بعلاقتى الوثيقة بالبابا فيوفدنى إليه فى مهمات عاجلة، أذكر منها إقناع قداسته بالعودة من الدير إلى مقره بعد أحداث «العمرانية» وقبيل تفجير كنيسة «القديسين» فى «الإسكندرية»، وأتذكر أن البابا «شنودة» قد أجرى اتصالًا هاتفيًا بى وكان الذى طلبنى له هو الأخ «هانى عزيز» الذى كان قريبًا من البابا - مهما قيل بغير ذلك - ويومها قال لى البابا الراحل إن غدًا هو الاحتفال بعيد الميلاد والأقباط فى حالة احتقان شديد وألم بالغ بعد حادث كنيسة «الإسكندرية» وقد يتعذّر علىّ توجيه الشكر للمسؤولين فى الدولة فى نهاية العظة التى أختتم بها الصلاة، وأخشى من ردود فعل الحاضرين التى قد تتحول إلى صياح أو ضجيج، فما رأيك؟ فاقترحت عليه أن يقول عبارات عامة يشير فيها إلى لقائه الأخير برئيس الدولة والدعوة إلى تعزيز أواصر الوحدة الوطنية، فقال قداسته: إن هذا ما أنتوى قوله، وبالفعل اختتم عظته بعبارات لا تستفز أحدًا، بل تُرطّب مشاعر المصريين المجروحين بعد الجريمة النكراء فى كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، وأتذكر أن السيد «علاء مبارك» وزوجته كانا يجلسان فى الصف الأول كنوع من المواساة بعد أحداث الكنيسة المروّعة، بل كان الابن الأكبر للرئيس الأسبق يزمع الذهاب بشكل غير علنى إلى مقر الكنيسة فى «الإسكندرية» لمواساة أسر الضحايا، ولكن أحداث «الثورة المصرية» وقبلها بأسبوعين «الثورة التونسية» ربما شغلته عن ذلك، وقد كنت أحضر الصلوات الرسمية فى عيدى الميلاد والقيامة رغم شعورى بالألم فى ركبتى نتيجة الجلوس والقيام المتكرر وفقًا لمراسم الصلاة، وكنت أهمس فى أذن صديق دراستى الذى يجلس بجوارى أ. «منير فخرى عبدالنور» أننى لا أفهم العبارات التى تتردد باللغة القبطية أثناء الصلاة، فيقول لى: لا تقلق ولا أنا أيضًا! وأتذكر أنه كان يصافح البابا «شنودة» عند انتهاء الصلاة، دون أن يقبّل يديه، وفى السنة الأخيرة وجدت «منير» ينحنى على يديه ويقبّلها، فقلت له: ما هذا التغيير؟ هل لأنك أصبحت وزيرًا؟! فقال لى: لا ولكننى أشعر أنها المرة الأخيرة التى يحضر فيها البابا «شنودة» صلاة عيد الميلاد، فأنا أدرك أنه قد أوشك على الرحيل، وقد كان!

إن علاقتى بـ«الكنيسة القبطية» هى امتداد لعلاقتى الوثيقة بـ«الأزهر الشريف» وإحساسى بأن دورهما هو جزء من القوى الناعمة لهذا الوطن وامتداد طبيعى لتاريخه العريق الذى ينطق بالتسامح والإخاء والمحبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة «تاريخ ما أهمله التاريخ» الوطن والكنيسة



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon